الجمعة، 20 ديسمبر 2013

بين الأصابع والأحلام والأوميجا

منذ شهور قليلة، وقف على منصة اعتصام رابعة العدوية الشيخ جمال عبد الهادي، يقول للمعتصمين في الميكروفون أن الصالحين في المدينة المنورة قد رأوا سيدنا جبريل –عليه السلام- في المنام يصلي في مسجد رابعة العدوية. وهو ما لقى تصفيقاً وتهليلاً وتكبيراً هائلاً من المحتشدين مصحوباً بزغردة من النساء. وهنا يجب أن نسأل.. ما علاقة مسجد رابعة العدوية بالإخوان المسلمين سوى أنهم اعتصموا أمامه بإردتهم لا بإرادته ؟؟ هل استأجرت الجماعة بيت الله إيجاراً جديداً مثلاً ؟؟ وما علاقة محمد مرسي بـ"رابعة العدوية" أصلاً؟؟ هل بينه وبين "رابعة بنت اسماعيل العدوي" أي صلة قرابة من قريب أو من بعيد تبيح لمريديه أن يعتصموا في ميدان الست ؟؟ ما الذي يدل عليه هذا الحلم الذي أُخِذَ على محمل الجد ولماذا لا تكون "هلاوس" يا شيخ ؟؟ وهو ما لا يعيب الصالحين الذين يتحدثون عنهم -عادي، كلنا مابنتغطاش واحنا نايمين وبنهلوس-.. وهنا يُلِح عليَّ سؤال أخير: هو فيه في الزمن ده صالحين أصلاً يا شيخ عشان يبقى فيه رؤى ؟؟
وبعد أن فُضَّ هذا الاعتصام بعد ذلك بقوة غاشمة، وسقط العديد من المعتصمين..
سُرِّب إلينا منذ أيام قليلة تسجيلاً للفريق السيسي، فحواه أن السيسي يحكي للصحفي عن منامات أتت له منذ سنوات، واحدٌ منها كان يتحدث فيه إلى الرئيس الراحل أنور السادات الذي قال له "أنا كنت عارف إني هبقى رئيس جمهورية"، فرد عليه "و انا عارف إني هبقى رئيس جمهورية". وآخر كان يحمل فيه الفريق سيفاً مكتوباً عليه عبارة التوحيد بالأحمر. وآخر كان يرتدي فيه ساعة "أوميجا" عليها نجمة خضراء كبيرة. وهو ما يجعلنا نحذر سيادة الفريق بشدة من إمكانية أن تكون الساعة الأوميجا التي قضى الليل يفكر فيها "مضروبة" لأن الشركة لم تصدر موديلاً بهذه المواصفات.. ولا يصح أن يرتدي رجل البلاد الأول ساعة مضروبة. أما عن الحلم الأخير فكان لأحد قال لسيادته "هانديك اللي مديناهوش لحد".. وأنا أدعو سيادة الفريق أن يكلف الأجهزة الأمنية بملاحقة هذا المجرم الذي يتحدث بتلك الوقاحة مع سيادته، بدلاً من انشغالها بمداهمة المراكز الحقوقية اللي بتجيب حَق الغلابة من الديابة.
يالبؤس هذا الوطن، اختزل الصراع فيه بين ساعة أوميجا وأربعة أصابع، فوطن يحدد مصيره أحلام وهلاوس المتصارعين على السُلطة هو وطن بائس بامتياز. أخشى ما أخشاه، أن يحلم أحدهم بحلم كالذي يحلمه البالغون من الرجال، فتقضي "خارطة الطريق" على الشعب كله أن يقوم ليستحم جبراً في هذا البرد القارس !
أرى أن كل شيء في بلادنا قد انحط مستواه لأقصى درجة، بداية من أحلامنا نهاية بصراعنا. لقد وصلت أحلامنا إلى مداها في 25 يناير 2011، وها قد عُدنا لما قبل هذا التاريخ، لا حلم لك سوى الستر –الذي لا يأتي إلا من عند الله- وأن تبيت الليل في بيتك وعلى فراشك وليس مرميَّاً على أرض أحد الزنازين في هذا البرد معصوب الأعين مربوطة يديك خلف ظهرك، بعد أن اختطفك الأمن من بيتك وتعدى على زوجتك. -سلامٌ علاء عبد الفتاح-.
بحثت عن أحد في السُلطة أُهديه هذا المقال في مظروف مكتوب عليه "لقد انحطت آمالنا، سيادتك"، فلم أجد أحداً مُحدداً أُكلمه، اللهم إلا: مواطن وقف على حيله ست ساعات في طابور أنابيب البوتجاز، انتابته فرحة عاتية بعد أن حصل على واحدة أخيراً بأضعاف السعر الأصلي..
وأيضاً حارس مرمى منتخب تاهيتي الذي رفع يديه إلى السماء محتفلاً مع الجمهور بعد أن صد ركلة هزيلة من لاعب منتخب إسبانيا الذي هزمهم عـشـــرة/ صـــفــــــر.

الأحد، 15 ديسمبر 2013

شُهداء من كوكب بلوتو

حاولت أن أُقنع نفسي سلفاً بأننا –كشعب- سوف نتخلى عن طابع الخنوع الذي بات يتغلغل في جيناتنا التي نورثها للأجيال عندما يصبح لكل واحد ضحية من معارفه جنى عليها الحاكم، حيث تستثار المشاعر ويصحو الضمير وما إلى ذلك، لكن سرعان ما نَبَّهت نفسي بأن أحداً لم يسلم من شرور حُكام بلدنا البهية "المتعددين".. ومع ذلك، لم يقم الشعب حتى الآن بثورة حقيقية تعصف بجميع المفسدين.. تُرى، كم لتراً من الدم يحتاجه هذا الشعب كي يفيق ويثور على الجميع ؟
حتماً أنك إذا دخلت في مناقشة مع أحد في هذه الأيام الغبراء، ستسمع منه عن صديق إبن خالته الجندي المجند في الجيش المصري الذي استشهد ضحية تفجير إرهابي في سيناء، طبعاً هو لا يحكي عنه للتدليل عن فشل قادة الدولة المنشغلين في صراعات "البيضة وللا الفرخة" في حماية ذلك الجندي الغلبان الذي لم يلق منهم إلا مُتاجرة بدمائه لنيل مكاسب سياسية رخيصة، وإنما الحكاية ليزعم بأن هؤلاء المجهولون الذين قاموا بالعملية الإرهابية ينتمون لجماعة الإخوان لذلك فهم يستحقون إبادة جماعية كما فعلت السلطة النازية باليهود، وبالطبع لن تسمع تلك الحكاية إلا من مناصر للسلطة الحالية، فهو لا يرى من الشهداء إلا الجنود وضباط الشُرطة، مُعتبراً أن من تقتلهم السُلطة هُم من كوكب بلوتو.
أما إذا كان من تناقشه من جماعة الإخوان، فلابد أنك ستجده يحكي لك عن صديقه الذي استشهد بجانبه في رابعة العدوية برصاص الجيش، وحتماً هو الآخر لا يحكي عنه لذكر قادة الجماعة الذين أفسدوا وقتلوا أيضاً عندما اعتلوا سُدَّة الحُكم.. وعندما عُزلوا، صوروا للشباب أنها حرب على الإسلام ودين الله الحق. ولَم يَلق ذلك الشباب من قادته بعد مقتله إلا متاجرة بدمائه أملاً في مكاسب دنيوية بخسة، تجسدت تلك المتاجرة في مشهد جثامين المعتصمين المتراصة إلى جوار بعضها في المشرحة، مغطى كُل منها بصورة كبيرة للمعزول مُرسي.
بين الجُندي الذي قُتِل في سيناء على يد إرهابيين، والشاب الذي قَتَلته السُلطة في رابعة العدوية.. ثمة شُهداء مُحوا من ذاكرتنا. كارثة أن تجد شهيداً يهضم حق شهيد. تُرى هل يتذكر أحد الشهيد أحمد بسيوني –على سبيل المثال لا الحصر- الذي قتله حُسني مبارك في 28 يناير 2011 بالرصاص ثم دهسته عربة الأمن المركزي؟ لم يأت حقه بَعد.
هل يتذكر أحد شيخنا ومولانا عماد عفت والدكتور علاء عبد الهادي اللذين قُتلا برصاص قوات الجيش في مثل هذا الشهر منذ عامين (2011) في موقعة مجلس الوزراء التي لا يتذكرها أحد إلا بإحراق المجمع العلمي.. ها هو قَد رُمِّم وعاد كما كان، هل زاره أحد ؟ هل عاد إلينا الشيخ عماد وفي يده الدكتور علاء ؟ لم يأت حقهما بَعد.
هل يتذكر أحد شاباً اسمه خالد سعيد ؟ الذي قُتِلَ على يد جهاز شرطة منذ ثلاث سنوات لم يتغير عن وقتها ؟ هل يعلم أحد بأن القصاص لم يأت من قتلة الشهيد خالد حتى الآن ؟ هل يتذكر أحد طَيِّب، هتاف "خالد خالد يا سعيد.. ثورة جاية من جديد" ؟
اعلموا أنَّ دماء الشُهداء لا تَجِف مَهما مَر الوَقت، وأن الشهادة لا تَسقُط بالتَقادُم.