الجمعة، 1 أبريل 2016

ميسي في سجن العقرب

كانت الجماهير متهافتة بشدة على نجم نادي برشلونة "ليونيل ميسي" في ملعب الكامب نو عقب مران الفريق، إذ حاول كل منهم الحصول من المدرجات على أوتوجراف أو توقيع على التي شيرت أو الكرة. في غضون ثوان ودون أن يشعر أحد، انقض أحدهم على اللاعب الأرجنتيني وبَخَّ في وجهه رذاذًا أفقده الوعي على الفور، ثم خرج ثلاثة من وسط الحشد أحاطوا باللاعب وحملوه إلى مروحية الجيش المصري التي كانت قد هبطت في منتصف الملعب في هذه الأثناء. ليعودوا إلى أرض الوطن مُعلنين نجاح العملية، في حين كانت تنبعث موسيقى رأفت الهجان من موبايل أحد جنود القوات الخاصة وهو متكئ على بندقيته في تأثر بالغ.
أفاق ميسي ليجد نفسه مجردًا من كل شيء إلا ملابسه الداخلية –كانت من القطن المصري الفاخر بالمناسبة- التي كان مُعلقًا منها في منتصف الغرفة. كان يدور حوله المحقق –يشبه أحمد عيد عبد الملك- مرتديًا سير الطبنجة المُلقاة على المكتب إلى جوار الساعة، مشمرًا قميصه عن ساعديه، يقترب من المتهم ويتكتك بالقدَّاحة في أذنه.
-         مش هاتنطق بقى أ عسسسل ؟
-         No comprendo !
"لا أفهم، بالأسبانية".
-         يا فررررج !! "مُناديًا".
بقُدرة قادر، الذي شق البحر ليعبر سيدنا موسى بسلام، نطق ميسي جملة بالعربية بصوت عباس الضَو:
-         أبوس إيدك فرج لأ يا باشا !
-         أيوه كده اتعدل.. تحب أخليك تتكلم هندي ؟
التهم الموجهة للنجم الأرجنتيني ليس لها علاقة بالبلاغ الذي يحمل رقم 2308 إداري العطارين، المقدم من المواطن السكندري "مصطفى رجب" مُعترضًا على إهانة اللاعب لمصر بعرض حذاءه للبيع في مزاد يذهب عائده للفقراء في مصر. صفصفت الاتهامات في النهاية على: (قطع طريق، تكدير السلم العام، الانتماء لجماعة محظورة، تلقي تمويلات من الخارج، التخطيط لقلب نظام الحكم، حيازة مولوتوف، الاعتداء على موظف أثناء تأدية عمله، سرقة لاسلكي من أحد الضباط، تظاهر بدون تصريح، إتلاف منشآت عامة... وازدراء أديان.) وعندما استفسر اللاعب عن التهم التي لا تمت للمشكلة التي جاء على إثرها، أخبره المحقق أن تلك التهم "package" يحصل عليها كل متهم، فلا داعي لشخصنة الموضوع.
أُلقي ميسي في زنزانة مساحتها 4×5 متر، بها ثلاثين مُحتجزًا. التهوية سيئة جدًا، والهواء يسيطر عليه خليط من رائحة العرق والصنان والبيض المسلوق والتقلية. أراد حكمدار أو كابتن الزنزانة أن يبلغه بالقوانين المتبعة هنا:
-         مالك طري كده ليه ياض ؟ مش انت الواد بتاع الجزم ؟ حرامي جامع يعني، ده احنا سمعنا عنك ياما.
بص بقى يابن الــ...حلال، مفيش حاجة اسمها سحتوت، الدنيا هنا بتمشي بالسوجارة . كل واحد وعلى قد ما بيدفع وكله بالحنية بيفك، تدفع سوجارة تنام على بلاطة، تدفع سوجارتين تنام على بلاطتين، تدفعهم سوبر ح اكرمك. لو حد ضايقك تيجي قول لي ماتردش عليه. لو أنا ضايقتك تخبط راسك في أتخنها حيطة.
لكن الأرجنتيني لم يفهم ولا كلمة، ما جعل كابتن الزنزانة يعتقد أن "الواد ده بيسوق الهبل"، فبات ميسي ليلته محشورًا في الجردل الذي يبول فيه المساجين.
أصبح ميسي حليق الرأس تمامًا، بعد أن قضى عامين مسجونًا احتياطيًا بلا محاكمة، ولكن الضغوط الدولية أجبرت السلطات على البدء في محاكمته ونقله إلى سجن العقرب شديد الحراسة في زنزانة حبس انفرادي.
حكم عليه "ناجي شحاتة" بالإعدام –كعادته-، لكن محامي السفارة الأرجنتينية بالقاهرة تقدم لنقض الحُكم، فقبلت محكمة النقض وعرضت القضية على دائرة أُخرى حكمت بـ"15 سنة سجن مشدد وغرامة 100 ألف يورو"، وكانت واقعة فريدة من نوعها أن يتعامل القضاء بـ"العملة الصعبة".
ينزوي ميسي في أحد أركان زنزانة الحبس الانفرادي بعد أن خلع البدلة الحمراء وارتدى الزرقاء، ممسكًا في يده بسيجارة سوبر وهو يكتب رسالة بالعربية بعد أن أصبح مُتحدثًا لبقًا بها "لهلوبة":
"سيدي الرئيس..
تحية طيبة، وبعد..
أقدم إليك نفسي، العبد الفقير لله هو ليونيل أندريس ميسي كوتشيني (اسمي فيه "كوتشيني" مافيهاش حاجة يعني). مواطن أرجنتيني احترف كرة القدم في نادي برشلونة الأسباني، ومن أشد المتابعين والمحبين لخطاباتك منذ أن كنت وزيرًا للدفاع، بالأمارة لم تكن تنوي الترشح للرئاسة ساعتها.
سيدي الرئيس، أعداد المظاليم هنا كبيرة، كبيرة جدًا. هنا أطفال لم يتجاوزوا السادسة عشر بعد، ماذا ننتظر منهم بعد أن يخرجوا ؟ ألن يكونوا محملين بالعديد من الأفكار العدوانية ؟ أغلب الموجودين هنا شباب، وهذا هو سن الحيوية والنشاط، لماذا تلقي بهم بلادهم خلف الأسوار مع المجرمين بدلاً من أن تستغل طاقاتهم الهائلة ؟ هنا أيضًا شيوخ تجاوزوا السبعين عامًا مُتهمون بالاعتداء على أفراد الأمن، ألا ترى في ذلك شيئًا غريبًا ؟
لا أطلب منك شيئًا خارجًا عن قدراتك "أن تحيي الموتى مثلاً"، ولكني أطلب منك أن ترفع الظلم عن هؤلاء، أم يجب أن يلقي عليك أسماءهم إبراهيم عبد المجيد فردًا فردًا لينجلي الظلم عنهم مثل "معتقل التي شيرت" ؟
سيادة الرئيس.. نتكلم بقى عن "معتقل الجزمة"، أنا يعني..
أغلى ما يملكه الكاتب –مثلاً- هو قلمه، لذلك عندما يقدِّر الكاتب شخصًا، يهديه أغلى ما يملك، وهو "القلم". وأنا لاعب كرة، وسر شهرتي وسعادتي التي كنت أتمتع بها هو حذائي، لذلك عندما أردت أن أعبر عن حبي لمصر وأهلها أهديتكم إياه، ولو كنت أعلم أن هذا سيغضبكم إلى هذا الحد، كنت ضربت نفسي بكلتا الفردتين بدلاً من المرمطة دي كلها.
أشعر هنا بأن مستقبلي يضيع –إن لم يكن قد ضاع فعلاً-.. أترضاها لرمضان صبحي ؟
سيدي الرئيس، أرجو أن تنظر لحالتي الإنسانية بعين الشفقة والرحمة.
تحياتي..
ليونيل ميسي.
سجن العقرب".
---

قرأ رئيس الجمهورية الرسالة.. أغضبه بعض الشيء أن يرسل إليه أحد المساجين رسالة بها نقدًا، لكنه تأثر بعض الشيء، وقرر أن يفرج عن ليونيل إفراجًا مشروطًا بأن يقضي بقية حياته الكروية لاعبًا في الدوري المصري في نادي طلائع الجيش..


 الأمر الذي فَضَّل ميسي عليه أن يقضي خمسة عشر عامًا خلف القضبان.