السبت، 11 مارس 2017

أوتوبيس كومبليت

لو أردت أن أعبر عن ما حدث بأسلوب رقيق، لن أجد أفضل مما قاله بيرم التونسي "بقى يقول لي وأنا اقول له، وخَلَّصنا الكلام كله".. أما لو قلت ما حدث كما حدث، فالكلام بيننا في هذه الجلسة قد وصل إلى حائط سد، كلما فتحنا موضوعًا أغلقه الملل، أو قضت عليه الكآبة، أو ربما أجهضه أن القائل يعرف سلفًا ما سيقوله الآخر في شيء، فلا يطرحه من الأصل.
لمعت عيناها، وقالت: تيجي نلعب أوتوبيس كومبليت ؟
لم أمانع. أخبرتها أني أعرف اللعبة اسمًا، ولكني لم ألعبها أبدًا، "ممكن تعلميني؟"
أخرَجَت ورقتين، وسَطَّرت على كل منهما جدولًا بسرعة فائقة، كل جدول مقسم إلى خانات (ولد – بنت – جماد – نبات – حيوان - بلاد.. المجموع). رفعت رأسها وأخبرتني أن أحدنا سوف يختار حرفًا، فينكفئ كل منا على ورقته ويكتب تحت كل خانة اسمًا يبدأ بهذا الحرف، من ينتهي أولًا يقول "أوتوبيس كومبليت" فيترك الآخر القلم فورًا، ونقرأ سويًا المكتوب، كل كلمة بعشر نقاط، ولكن إذا تصادف وكتب كل منا نفس الكلمة تكون بخمس نقاط.. وهكذا، حتى يفوز في النهاية من يجمع عدد نقاط أكثر.
قالت لي، اختر حرفًا.. (أ).
نظرت للورقة.. وشعرت فجأة بأني نسيت كل الأسماء، بل نسيت اللغة برُمَّتها. توترت. بدأت أشعر بالعرق يتسلل إلى جبهتي. تذكرت اسم ولد أخيرًا !! أحمد. ثم.. "أوتوبيس كومبليت"، قالتها.
حصلت هي في هذه الجولة على ستين نقطة من ستين، بينما حصلت أنا على عشر نقاط فقط.
الآن، دورها هي في اختيار الحرف، اختارت الباء. حصلت هي على ستين نقطة، بينما لم أحصل أنا على شيء.
في الجولة الثالثة، كان التوتر قد تمكن مني تمامًا، والعرق قد ملأ وجهي، وبدأت في هز ساقيَّ بعنف، تأخرت هي هذه المرة في قول "أوتوبيس كومبليت".. رفعت رأسي لها، وجدتها مبتسمة في هدوء، سألتها "خلصتي؟"، أومأت بالإيجاب "مستنياك" !
---

ما الذي حدث ؟ كيف لم أتذكر من أسماء الأولاد التي تبدأ بحرف الألف إلا "أحمد" وبالكاد ؟
كيف لم أتذكر أسماء حيوانات تبدأ بحرفي الألف والباء، وهما في مقدمة أول الدروس التي أخذتها في حياتي في المدرسة قبل أن أتعلم القراءة والكتابة ؟
"أ أسد.. ب بطة.. ت تمساح.. ث ثعلب.."
لماذا تَمَلَّكني التوتر لدرجة التعرق ؟

بعد مرور بعض الوقت، سألتني.. "ممَّ تخاف؟"
قُلت لها بلا تردد:
أخاف أن تكون حياتي مثل لعبة "أوتوبيس كومبليت".

---
نُشرَت في جريدة الأهرام.