أعتبر الفيس بوك نافذتي على مصر، أعرف منه أخبار الطقس والتريندات، أشاهد عليه أهداف المباريات ولقطات من برنامج مدحت شلبي الذي يقوم معي بأحلى واجب مايقدرش عليه أجدعها برنامج كوميدي. أقرأ بوستات الأحباب لأطمئن عليهم، أما البقية فأعتبر عدم سماعي أخبارًا عنهم يعني ضمنيًا أنهم بخير، عملًا بالحكمة الانجليزية No News, Good News.
كنا نقول على سبيل التهكم أن الفيس بوك أصبح صفحة وفيات، ولم أكن أتخيل أن الواقع مازال قادرًا على إبهارنا بمزيدٍ من القبح. أفتح الفيس بوك يوميًا لأجد مزيدًا من الأشياء المخيفة، أنا أعني ما أقول، لا أتحدث عن الهم والغم والنكد، أنا أتحدث عن أشياء مخيفة ومُفزعة.
اليوم على سبيل المثال كان ملخصه كالتالي: حادث مروع بالشيخ زايد راح ضحيته أربعة شباب تحت عجلات سيارة مجنونة يقودها متعاطي مخدرات سكران. زوجة تقتل زوجها بالدقهلية بعدة طعنات نافذة في الصدر. الحُكم بالإعدام على سفاح الإسماعيلية مدمن المخدرات الذي فصل رأس الضحية عن جسدها، وأهل المجني عليه يصرحون للصحافة برغبتهم في إذاعة الإعدام على الهواء وتقديم أهل الجاني الكفن والهجرة من المدينة. شخص مُختل ووقح رُزق برُزم من الأموال تسكنه في كومباوند شهير ولكنه لم يُرزق بذرة احترام للنفس أو الغير ليلتقط صورة لسيدة في بالكونتها تنشر الغسيل ويبلغ عنها، ومختل آخر يقبل بلاغه. بين هذا وذاك، أشباه بني آدمين في صورة صحفيين يتهافتون لأخذ اللقطة من أجل الشير واللايك. أما إذا أردت محتوى ترفيهيًا، فتابع مغنية مشهورة تحلق شعرها زيرو بعد قصة حب عنيفة، وتظهر في برنامج كل ٥ دقائق تصرح عن طليقها بكلام شديد الخصوصية. أو يمكنك أن ترفه عن نفسك أكثر بمتابعة ياسمين عبد العزيز تحكي حكاية التربي الذي اتصل بها بعدما جهز لها المقبرة.
هذه النافذة تقتل كل معاني الإنسانية فينا، وتُخرج أسوأ ما فينا. هذه النافذة تجعلنا نعتاد كل ما هو قبيح ومُظلم.
هذه نافذة مُخيفة وغير آمنة، أريد الابتعاد عن هذه النافذة بقدر الإمكان. أنا مصاب بفوبيا المُرتفعات ودائمًا ما أخشى السقوط من النوافذ.