الأحد، 18 ديسمبر 2011

الورد



" وردٌ يروي نفسه بنفسه بدمائه الطاهرة ، خسرناه نحن .. ولم يدفعوا ثمنه حتى الآن .. ومازال العدد في إزدياد "

 لا أعرف الشهيد علاء عبد الهادي معرفة شخصية ، ولا أتذكر أني قابلته في حياتي من قبل ، لكنه ربما يكون ممن تلاصق كتفي بكتفهم أثناء صلاة الجمعة بالتحرير ، أو كان هو ممن كانوا يعطوني أوراق الجرائد البيضاء لكي أُصلي عليها ، أو كان هو ممن يقفون على مداخل الميدان يبتسمون في وجهك قائلين "ممكن البطاقة .. معلش أزعجتك " ، المؤكد أن الشهيد كان طبيب الميدان ، كان دائم التواجد في المستشفى الميداني – حيث أن الدكتور علاء في السنة الخامسة من كلية طب جامعة عين شمس -.

كان يقول علاء لأُمه التي كانت تتمنى أن تحضر حفل تخرجه وتزغرد له مع باقي أُمهات زملائه (( أنا بانزل أسعف المصابين يا ماما .. مابعملش حاجة وحشة والله )) ، ولذلك قُتل علاء عبد الهادي شهيداً – وفي يده القطن والشاش -  برصاصة غدر من جيش بلده الذي كُنا وكان يهتف علاء له يوماً " الجيش والشعب إيد واحدة ".

حيث أن الشهيد من طنطا ، فكان من المفترض أن يُدلي بصوته في المرحلة الثالثة من الإنتخابات ..
تُرى .. هل كان سيعطي صوته لحزب الحُرية والعدالة أو حزب النور السلفي اللذان تخليا عنه ومر مشهد مقتله هو وشهيد الأزهر وباقِ الرفاق أمام أعينهم مرور الكرام ؟؟

هل كان سيعطي صوته لمن هتفوا لحظة مقتله " الجيش والشعب إيد واحدة " في لجان الفرز لمجرد أنهم حصلوا على مقاعد في برلمان فاقد الشرعية ؟!

هل كان سيصوت  لرجل كان ينتمي للحزب الوطني تركه المجلس العسكري يخوض الإنتخابات البرلمانية ويخدعه بأشياء مثل الحد الأدنى للأُجور والمطالبة بحقوق الشباب وما إلى ذلك من خُدع ؟!
هل كان سيصوت لأي من هذه الأحزاب الصامتة المتخاذلة ؟؟

بالمناسبة .. عيد ميلاد الشهيد علاء كان في 18 ديسمبر .. (( اليوم )) .. فبدلاً من أن يحتفل به مع العائلة والأصدقاء ويغنون ( سنة حلوة يا جميل )  .. سيحتفل به مع الرفاق في الجنة .. وسيغنون >> كل سنينك حلوة يا شهيد <<.
وتحتفل أُم الشهيد بعيد ميلاده بإقامة سُرادق العزاء ، وتزغرد كباقي أُمهات شهدائنا السابقين فرحاً بدخوله الجنة ، وربما تعلمها والدة الشهيد مصطفى الصاوي كيف تزغرد وتفرح وتلبس الأبيض وتُصَّبر من  بالعزاء .. وتجلس وحدها تبكي .. دون أن يراها أحد ، فقط .. حتى لا تنكسر.

سعيدٌ لشخص مصري أخيراً تحقق له ما وُعِدَ به .. ولم لا فهو من رب العزة والجلالة .. انت الآن حيٌ تُرزَق في الجنة يا شهيد.
علي هشام
مصر – 18 ديسمبر 2011
AliHishaam@gmail.com


نُشِرَت في جريدة البديل

الاثنين، 7 نوفمبر 2011

يا " علاء " .. أنا صاحبك " علي "


جمعة 8 يوليو ، ميدان التحرير ..
بالقرب من مجمع التحرير كنت أقف أنا وعائلتي ، وبالصدفة الشديدة رأيت علاء عبد الفتاح يمر من أمامي ، فجريت عليه بسرعة :
-        ازيك يا علاء ؟؟ أنا علي هشام .
فرد علي وهو سعيد جداً :
-        اهلاً اهلاً  .. ازيك يا علي ؟؟
-        الحمد لله .
تحدثنا سوياً  ، أخذني من يدي وذهب  معي لوالدي ، وقال له :
-        انت حُــر ، خلفت أحرار .
ثم اصطحبني مرةً أُخرى إلى عائلته الكريمة :
-        وده بقى يا جماعة علي هشام ، 14 سنة ، مدون وبيكتب حلو أوي .
عرفني على الدكتورة أهداف سويف " خالته " ، وعلى والدته الدكتورة ليلى سويف ، وعلى زوجته رفيقة الكفاح منال ..
وللأسف لم أرَ والده الأستاذ أحمد سيف الإسلام أو منى " أُخته " .
كان في غاية الرقة واللطف معي .

اضطررت لترك علاء في لحظتها ، حيث جاءتني مفاجاة سارة بخروج صديقي "لؤي نجاتي" من السجن الحربي ، وقد وصل ميدان التحرير حالاً، قابلته ليحكي لي ما حدث معه في السجن من إهانة وذُل وقهر وأشياء ما أنزل الله بها من سلطان .

لم أتخيل يوماً أني سوف أقول لعلاء ما قلته للؤي نجاتي : " هاترجعلنا يا صاحبي " . لم أتخيل منذ معرفتي به أني سوف أقول في يوم من الأيام : " الحُرية لعلاء عبد الفتاح " .. لم ولن أتخيله إلا حراً .

علاء عبد الفتاح ، يُحاكم عسكرياً الآن ، وهو في السجن ظُلماً وعبثاً وفُجوراً .
أرسلت أمس له برقية معايدة على عنوانه : " سجن طرة تحقيق ، عنبر أربعة " .. وكتبت له : كل سنة وانت حُـر .. كل سنة وانت ثائر .. عيد سعيد .
شبه متأكد أن إدارة السجن لن توصل كلماتي لصديقي علاء ، ولكني أردت فقط أن أقول له ..
انت حُــر .. والعسكر اللي بيحاكموك مساجين .

علي هشام
8 نوفمبر 2011 .. ثالث أيام عيد الأضحى
AliHishaam@gmail.com


تاكسي


بلطف شديد نظر لي عبر نظارته الـ " كعب كباية " ، وقميصه الأبيض المهرول ، وقال لي :
-         من عنيا .. اتفضل حضرتك .
نطق سائق التاكسي تلك العبارات المهذبة ، وأبهرني برقيه وأسلوب كلامه .
فتحت باب العربة ، وجلست بجواره ..
مد لي يده برفق " ماسكاً علبة سجائر كليوباترا " ، ثم قال لي :
-         اتفضل .. معلهش مش على قد المقام
-         لا والله ما باشربش .. شكراً
واصلت قراءة جريدتي الصباحية ، وأنا أفكر في هذا السائق المهذب والمختلف عن باقي أقرانه .
" آذان الظهر "
يردد السائق هامساً بصوت مسموع وراء الآذان ..
قلت في لحظتها " الله الله .. مهذب ومتدين كمان و .... "
ولم أكمل الجملة .. وحدث ما حدث ..
-         يابن الــ... ، هو الشارع بتاع أهلك ؟ تلاقي أمك اللي جايبهالك يابن الــ ..... .
نظرت له مندهشاً .. فنظر لي بثقة .. وأكمل ترديد الآذان
علي هشام

نُشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 7 نوفمبر 2011


الاثنين، 31 أكتوبر 2011

الـمـتـهـم !!



-         إسمك بالكامل .. سنك .. المهنة .. وما هي أقوالك فيما هو منسوب إليك من " تحريض ضد الجيش " و" سرقة سلاح " .
وأثناء انتظاره رد المتهم .. كان وكيل النيابة يقرأ ما على شاهد قبر ( المتهم ) ( الشهيد ) مينا دانيال  بصوت عالٍ ..
مينا دانيال .. وُلِد في 12 من يوليو 1991 .. استشهد في يوم 9 من شهر أُكتوبر 2011 .
يقول سيادته مخاطباً ( السكرتير - حمدي - ) حامل الدفتر البني كالح اللون ذو الأوراق ممزقة الأطراف ليدون فيه أقوال المتهم ..
-         اكتب يابني اللي على الرخامة اللي هناك دي  .. ولا أقوللك شيل (استشهد ) .. اكتبها (توفى في).
ثم أكمل متأففاً ..
-         وانت يا عم مينا .. مش هاتخلصنا بقى .. ما هي أقولك لما هو منسوب إليك من " تحريض ضد الجيش " و" سرقة سلاح " ... على فكرة يا مينا .. سكوتك ده مش في مصلحتك .. يابني انت متهم ، ويمكن يكون موقفك ضعيف .. اتكلم يا مينا .. سكوتك مش هايفيدك خالص ..
ساعة .. ساعتان .. ثلاث ساعات ..
ولم يدلِ المتهم بأقواله حتى الآن ، بعد أن شرب وكيل النيابة وسكيرتيره دستة أكواب شاي .. على حساب " التربي " طبعاً !!
-         باقوللك للمرة التانية - بصوت صاخب جداً -  .. سكوتك مش في مصلحتك .

س : هل لديك أقوال أُخرى ؟
انتظر قليلاً ، وهمس للسكرتير : اكتب يابني " لم يرد " . وأٌقفل المحضر في ساعته وتاريخه

وعلى باب المقابر .. وكيل النيابة : اقرا الفاتحة على روح المتوفي يا حمدي .. ده روح برضه .
( سأترككم تستكملون عبثكم هنا .. وأذهب أنا إلى جنتي .. "محمد – مينا" ليه الثورة جميلة وانت معايا) إمضاء : الشهيد مينا دانيال
علي هشام
31 أُكتوبر 2011

AliHishaam@Gmail.com


نُشرت في جريدة البديل يوم 1 نوفمبر 2011

الجمعة، 21 أكتوبر 2011

بـمـبــي


في نسمة العصاري الجميلة ..  الأرض ممهدة ، السماء صافية ، والورود  الجميلة تملأ الحديقة من كل جانب .. الأطفال يلعبون ، والأحبة يتسامرون ، والشيوخ يتعايشون ، والــحياة " بمبي " .. فالسلطة والحكومة تعتنيان بالمواطن أقصى عناية ، والعيشة " زبادي ف الخلاط " ..
حينها نظرت إلى ساقاي العاريتين المرتجفتين ، وتأكدت وقتها أنني أهذي في الحمام .

علي هشام
أُكتوبر 2011
AliHishaam@gmail.com

الأحد، 2 أكتوبر 2011

حقاً .. الجيش حمى الثورة !!


حقاً .. الجيش حمى الثورة !!
قد تقرأ عنوان مقالي هذا بأكثر من طريقة ، فربما تقرأه أن الجيش حَمَّى الثورة " بفتح الحاء وتشديد الميم وفتحها "   : أي أن الثورة "إستحمت " على يد الجيش ، أو أن الجـيش هو  حَمى  الثـورة "بفتح الحاء والميم "  ، ومعظمنا يعلم جيداً ماذا تفعل الحموات في أزواج  وزوجات " بناتهن / أبنائهن " ، أو أن الجيش هو : حُمى الثورة " بضم الحاء وتشديد الميم وفتحها  " .. وكُلٌ يقرأ ما يشاء بطريقته .
شاهدت تسجيلين للمشير  محمد حسين طنطاوي " في أكاديمية الشرطة "  .. الأول ( وهو مشهور جداً ) عندما قال فيه " نصاً "  :
-         إحنا الحمد لله ربنا وفقنا وده ماكانش قرار فردي وماكانش قرار عشوائي لكن لأ كان في منتهى الصعوبة وإحنا إجتمعنا في ذلك الوقت وأخدنا آراء بعضينا والشئ المشرف إن كل المجموعة اللي هي بتاعت المجلس الأعلي للقوات المسلحة كلها كان القرار بتاعها : " لأ .. لا نفتح نيران على الشعب " وكان هذا هو القرار .
 فشكراً لخير أجناد الأرض الذين حموا ثورتنا من شر المخلوع الذي كان يريد أن يذبح شعبه ويفتح النيران عليهم ، شكراً للجيش ..
ولكن .. ماذا عن الشهداء الذين يتجاوز عددهم الآن الألف شهيد !! كيف ماتوا ؟! ..
ألم يتم فتح النيران عليهم ؟! .. أم أنه تم قنصهم بالـ "بونبوني " ؟! .. أين ذهبوا قناصين الـ"بونبوني" .. أقصد " الرصاص " ؟!
.. الفيديو الثاني " وتم عرضه على قناة الحياة " .. قال فيه المشير طنطاوي " نصاً " :
-         .. في ذلك الوقت لم يُطلب مني أنا شخصياً ولا من حد مننا في القوات المسلحة أو في المجلس الأعلى للقوات المسلحة .. لم يطلب أحد إننا نستخدم النيران ماحدش قاللنا إستخدموا النيران عشان ده شهادة حق وشهادة صدق ربنا هايحاسبنا عليها .
يا إلهي .. إذاً ممن يحمي الجيش الثورة ؟ّ! .. إنه يحميها من نفسه .. إذاً فهو من كان يفكر في فتح النيران على الشعب .. وهو من قابل نفسه " مشكوراً " بالرفض المطلق على هذا !!
باختصار شديد .. إن كان الجيش المصري والمجلس العسكري حقاً يحمون الثورة ، فعليهم أن ينهوا حُكم العسكر بعد الستة شهور التي وعدنا بهم المجلس العسكري أن ينهي فترة حُكمه فيها ، أو فلينزل معنا كل جمعة يهتف في ميدان التحرير : " يسقط يسقط حُكم العسكر .. الشعب يريد استرجاع الثورة  " .
علي هشام
2 أُكتوبر 2011
AliHishaam@gmail.com

الأربعاء، 24 أغسطس 2011

إذا الشعب يوماً أراد الحياة .. فـمــاذا يــفـعـل ؟؟


إذا الشعب يوماً أراد الحياة .. فـمــاذا يــفـعـل ؟؟

كُنا نهتف ونغني في الثورة  : " إذا الشعبُ يوماً أراد الحياة .. فلابد أن يستجيب القدر " .
فعندما يريد شعبنا الحياة ، ولا يستجيب لنا القدر ، فمن المؤكد أنه يوجد طريقة بل وطُرُق أُخرى لجلب الحياة لشعوبنا المقهورة ،" فـماذا نفـعـل ؟؟  "
ذهبت إلى مكتبة بيتنا الكبيرة والممتلئة بسائر أنواع الكُتُب باحثاً عن إجابة وافية لسؤالي ، ظللت أبحث عن الحل طويلاً لم أجد ما  يساعدني قط ، وعندما وجدت إجابة .. كانت كالعادة : " فلابد أن يستجيب القدر " !!
 (( لماذا لا تستجيب لنا ولمطالبنا أيها القدر ؟؟ هل فعلنا شيئاً مضاداً لرغباتك كي تتعاطف مع من ظلمونا وعذبونا وهتكوا أعراضنا ومارسوا معنا كل الرذائل ؟؟ ))
لكني لم أفقد الأمل بعد ، ورغم كل شئ فأنا لم ولن أفقد الأمل .
أشاهد التلفاز مع عائلتي الجميلة ، لأرى واحداً ممن يسمونهم بالنخبة ، أنيق وصاحب مظهر حسن ،يتفلسف ويقول كلام لا أفهم منه إلا القليل .
 .. فكرت في اللجوء إليه ، وفور حلول الفكرة إلى دماغي ظهرت على الشاشة أرقام للتواصل وعمل مداخلات هاتفية مع البرنامج ..
اتصلت بهم على الفور ، فرد علي رجل بصوت غليظ : " أيوة يا فندم " .
-         " مرتبكاً " إذا سمحت سيدي الكريم  .. إذا الشعب يوماً أراد الحياة .. ماذا يفعل  ؟؟ ماذا يفعل ؟؟ ها ؟؟
لم أسمع بعدها سوى .. " تشيك .. تـيــت تـيــت تـيــت " .
أيضاً لم أفقد الأمل .. وانتظرت الصباح الباكر ، وذهبت إلى مدرسة أخي الصغير باحثاً عن مدرس اللغة العربية القدير "حسب كلامه "  فمن الوارد أن يعطيني حلاً وافياً .
 أنا : إذا الشعب يومأ أراد الحياة .. فماذا يفعل أيها المعلم القدير ؟؟
المعلم : هذه كلمات أبو قاسم الشابي !
أنا : نعم .. أرجوك إعطني حلاً وافياً
المعلم : إممممم .. نعم ، إذاً : اسم شرط مبني في محل نصب على الظرفية . الشعب : فاعل لفعل محذوف تقديره المذكور ، و ..
قاطعته مسرعاً ..
-         يا سيدي الكريم .. أنا لا أريد إعراب الجملة .. أرجوك اعطني حلاً وافياً يفيدني ويحل مشكلتي .
-         أنا آسف جداً .. حلك ليس عندي .
خرجت من باب المدرسة وأنا أضرب كفاً بكف متعجباً ، ذهبت إلى النخبة فلم تنفعني ، لجأت للكتب فلم تنفعني ، حاولت مع المدرسين فكانت نفس النتيجة .. ماذا أفعل .. سأذهب إلى بائع الخضروات لأشتري طلبات البيت الإسبوعية ، وأسأل البائع ربما يفيدني !
" الضوضاء تملأ المكان "
-         سلام عليكم
-         وعليكم السلام
-         إذا الشعب يوماً أراد الحياة .. فـمــاذا يــفـعـل يا عم الحاج ؟؟
-         نعم ؟؟ مش سامع !!
-         باقوللك إذا الشعب يوماً أراد الحياة .. فـمــاذا يــفـعـل يا عم الحاج ؟؟
-         لا والله يابني الخيار خلصان النهاردة !!
وكعادتي خرجت من السوق محملاً باليأس والإحباط ، هل من المعقول ألا أجد من يفيدني في هذه الدنيا الصغيرة الكبيرة !! سُحقاً .
في طريقي إلى المنزل .. أرى مظاهرة كبيرة قادمة من هناك ، لا أسمع الشعارات لكنني أسمعها تدريجياً بوضوح كلما قربت المسافة بيني وبينهم " لا للمحاكمات العسكرية .. لا للمحاكمات العسكرية " .. فرأيت سيدة مصرية تحمل في يدها أكياساً مليئة بالخضراوات والفاكهة تهمهم في سرها .. " مصيركم كلكوا تترموا في السجن الحربي زي بعضكم " !!
وقتها فقط تأكدت أنه : " إذا الشعب يوماً أراد الحياة .. فلابد أن يُحاكم عسكرياً ويُسجن .. كي يحصل عليها غيره
 "



 علي هشام 

أغسطس 2011 

AliHishaam@gmail.com 




الأربعاء، 10 أغسطس 2011

في سبيل الحرية


في سبيل الحرية


أقف في مكتبة صديقي عم مينا . تتنقل عيناي بين الكُتب الموضوعة على الأرض والأرفف وفي كل مكان ، مُعجبٌ بمعظمها ، وأتمنى في كل مرة أزور فيها هذا المكان أن أمتلكه بأكمله ، لكن بدون أن أفقد صديقي " عم مينا " الذي إرتبط وجودي في تلك المكتبة به وبطلته الجميلة .
 أعشق رائحة ذلك المكان الضيق خافت الأنوار  ، المعتق برائحة الأوراق القديمة والجديدة معاً.
 شَيخٌ بسيطٌ يَقف بجوار بائع الكُتب ، وفي يده عكاز قديم  يبدو عليه أثر الزمن ، هَمَـسَ في أذنـه: " ماعندكش كتاب فيه سيرة جمال عبد الناصر ؟؟ "
-         لا
ثم التفت الشيخ وكأنه يهذي  بكلمات لم أسمعها في البداية ..
" جمال عبد الناصر ..  جمال عبد الناصر حسين سلطان علي عبد النبي مواليد خمستاشر يناير ألف وتسعمية وتمنتاشر الإسكندرية .. أبوه عبد الناصر حسين سلطان علي عبد النبي مواليد .. .. .. .. "
أرى هذا الشيخ يسرد سيرة جمال عبد الناصر وأبوه وأمه وبلده أمامنا بكل دقة ، على الرغم من شكوكي في أنه متذكر اسمه بالكامل أصلاً .
فقدت تركيزي للحظات ، ثم رجعت لأراه يبكي ... " جمال عبد الناصر هو اللي ورانا النور .. حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا حسني يا مبارك .. حسبي الله ونعم الوكيل .. مسحت تاريخنا بأستيكة .. البركة في الشباب .. البركة فيهم .. عبد الناصر ورانا النور .. ورانا النور " .. وكُنت أبكي معــه .
من حركات أعين الشيخ الفاضل تأكدت من أنه أعمى لا يُبصر ..
-         من فضلكوا يا جماعة .. هاتوللي الكتاب اللي هناك ده .
جريت على الكتاب المراد ، وأحضرته له ، وكان .. " فــي ســـبـــيـــل الــحـــريــة " تأليف : جمال عبد الناصر .





 علي هشام 

أغسطس 2011 

AliHishaam@gmail.com 

الثلاثاء، 2 أغسطس 2011

أين ميداني ؟!


أين ميداني ؟!
" عن جمعة 29 يوليو "
أين ميداني ؟؟!! .. لست الوحيد الذي دار في ذهنه هذا السؤال ، ولست الوحيد أيضاً الذي إكتشف غياب الضحكة و"النكتة" عن الميدان في هذه الجمعة التي سموها " وحدة الصف " ..
 تذكر حينما إخترقت الطائرات الحربية حاجز الصوت من فوقنا أثناء  الثمانة عشر يوماً قبل خلع المخلوع ، كنا نضحك وقتها ، ونغني " حسني إتجنن " لم نكن خائفين على الإطلاق ، رغم نقطة الرعب في قلب كل منا ، ولكنها كانت تُمحى بدفء كتف زميلك المتلاصق معك ، حينما يقول لك : " مصيرها تروق وتحلى يا صديقي " .. وكان هذا هو " ميدان تحريرنا " الذي لم أجده يوم 29 يوليو .
أنا آسف .. لن أقدر على التكلم في كل تفاصيل الجمعة الفائتة ، أولاً : خوفاً على مرارتي .. ثانياً " وهو الأهم " : لست واثقاً في سعة صدر حضراتكم لي عندما أكتب لكم عن " كل " سلبيات الجمعة .. ثالثاً : لا يمكن كتابة تحليل واف عن الجمعة في مقال .. فأنا أفضل عمل كتاب لها ، يكون عنوانه : " تعلم كيفية عمل مظاهرة ناجحة لشق الصف والقضاء على مطالب الثورة"
الرئيس السابق للجمعية الشرعية وقف في ميدان التحرير يجري حواراً مع قناة 25 .. وقال فيه : " علينا أن نتكاتف مع الجيش حتى ولو كان الجيش يريد شيئاً يخالف الإسلام والمسلمين ".. يا إلهي .. إنه يأمرنا بمخالفة الإسلام والمسلمين طاعةً للحاكم .. " أترك لكم التعليق " .. لأن تعليقي عليها يحتاج إلى كتاب آخر .. عنوانه " حسبنا الله ونعم الوكيل "
إذا كانت هذه هي جمعة " وحدة الصف " ، إذن .. كيف تكون جمعة " شق الصف " ؟؟
المعتصمون في الميدان لهم فضل كبير على كل " أعضاء حزب الكنبة " .. لولاهم ما كُنا لنشاهد القاتل حبيب العادلي في القفص مختبئاً وراء أعوانه القتلة خوفاً من تصوير أجهزة الإعلام له ...
 وبعد ذلك ، نجد كل من أعضاء حزب الكنبة يحمل كنبته وينزل ميدان التحرير .. ويقول " هذا ميداني  "  !!
خلاصة مقالي هذا .. إذا أردت تقييم الوضع السياسي في مصر الآن ... لا تقيمه وانت جالس على كنبة بيتك فوقك تكييف وأمامك تلفاز وشاشة عرض كبيرة تتابع الأخبار لحظة بلحظة  ، امامك أولادك ، وحرمك في المطبخ تحضر لكم العشاء ..
كُن مكان الشهداء .. طل على مصر من السماء .. أنظر على والدك وأمك وهم يتسحرون دموعاً في ليلة أول يوم رمضان .. أنظر على أصدقاءك وهم يلعبون في الدورة الرمضانية لأول مرة من غيرك .. أنظر على مكتبك في العمل المليء بالأتربة والذي لم يجلس عليه أحد من بعدك ولم يعتن به .. أنظر على زميلك السلفي  المبتسم دائماً الذي إستمات في المحاولة عندما كنت في الرمق الأخير لإنقاذك ، وهو الآن يقف في الميدان ليكفر ويطرد وينسب الميدان لنفسه .. طل على أولادك وانت لم تشتر لهم فانوس رمضان مثل كل عام ..
وقتها .. قيم الوضع السياسي في مصر  .

الأربعاء، 20 يوليو 2011

الرفيقان



الرفيقان

بلهفة وشوق مرتبك ..
-         أتــ .. أتتذكرني يا صديقي !؟
نظر في عينه ، ثم تضاحك وقال بلسان رخو متأفف ..
-         آآههه .. أتذكرك .. أنت صديق الطفولة .. الــكــافــر .
رد عليه مرتبكاً ..
-         كافر ؟! أنا كافر ؟! أنا لست كافراً ..
-         كـــافر .
-         أتكفرني مرة أخرى ؟ .. ألست محمداً صديق طفولتي .. أم أنني ذهبت إلى شخص آخر .
-         أنا هو .. ولا تتهرب من موضوعنا أيها العلماني .
-         أنا لست كافراً .. من أين لك هذا الكلام العجيب ؟! .. لا تكفرني .. لا تكفرني .
-         كافر ، هذا ليس قولي وحدي ، العلماء مجمعون على تكفيرك وتكفير أمثالك ، أفكارك السياسية شاهدة عليك ، كافر كافر كافر .
-          أنا من كان يصلي معك  في مسجد مدرستنا الضيق ، أنا من ذكرتك بالصلاة عندما سهوت عنها وأنت تلعب مع باقي الأصدقاء ، أنا من يصلي معك حتى الآن في المسجد كل يوم .. كيف تكفرني وأنا من تتلاصق قدمي بقدمك ويدي فوق يدك أثناء الصلاة كل يوم .
-         كــافر
" وصل إلى ذروة الإنفعال"
-         ألست من تألمت لك عندما صفعك الناظر على وجهك عندما كنا صغاراً .
-         كـافـر
-         أنا من  دافعت عنك أيام الطفولة البريئة .
-         ملحد
-         أنا من أعطيتك من طعامي عند جوعك
-         كافر ملحد علماني زنديق
-         وسقيتك من شرابي عند عطشك
-         ليبرالي علماني .. ولا تتكلم معي أكثر من ذلك لأنك كــــافر
" صارخاً في وجهه بإنفعال عنيف "
-         أصمت .. أصمت .. أصمت وإلا سحقتك .. أصمت
-         كــا...
لم يكملها ، ولكمه في وجهه لكمة قوية .. أفقدت الضارب وعيه .
راقداً على سريره .. يفتح عينيه والدنيا تدور وتتمايل به يمينا ويساراً ، يده مربوطة ،  وتتكلم أمه في الهاتف .. وتقول :
( شوفتي يا إبتهاج " ممصمصة شفتيها "  .. الواد يا حبة عيني اتهبل وبقى بيكلم نفسه في المرايا .. وفـالآخر ضرب المراية بوكس فشفشها سُتميت حتة )

علي هشام
يوليو 2011
AliHishaam@gmail.com

نُشرت في جريدة البديل