الأحد، 16 نوفمبر 2014

مصر الصُغرى.. من وَحي مباراة مصر والسنغال

يطلق الجغرافيون على "منخفض الفيوم" اسم (مصر الصُغرى) حيث تتلخص في هذا المنخفض كُل خصائص الدولة الطبيعية، والحقيقة إن هذه الظاهرة اللطيفة لا تُلاحَظ فقط في طبوغرافية مصر، بل إنك تجد في كُل مكان في هذا البلد نموذجاً مُصغراً من خصائصه وخصائص سكانه أيضاً، يعني أضمن لك أنك إن دققت التركيز والمُلاحظة في حياتك اليومية سوف تتكعبل في "مصر الصغرى" عدة مرات.
بشكل أبسط، مصر حالها تماماً هو حال صندوق الهدايا -الأحمر أبو فيونكة- الذي يظهر في الأفلام، وسرعان ما يفتحه البطل يجده يحوي صندوقاً أصغر منه يماثله بالضبط في الشكل، ويظل على هذا الوضع البائس يَفُك في الفيونكات ويفتح في الصناديق إلى أن يجد صندوقاً صغيراً جداً، يفتحه.. فيجد بوكساً طائراً يلكمه في وجهه مُعلناً عن مقلب سخيف.
ولكن كي أكون دقيقاً.. يجب ألا أنسى أن أذكر لك أن الصندوق الكبير –الأولاني، أبو فيونكة- يقبع داخل قفص حديدي تحوطه القضبان من كُل جانب.
دعني أضرب لك مثالاً آخر على "مصر الصغرى"، ارجع بذاكرتك إلى أيام المدرسة، هل تتذكر زميلك الذي ترشح في انتخابات ريادة الفصل مع إنه يعلم أنكم اتفقتم على فائز غيره منذ البداية ؟ ها هو قد كبر وصار مُرشحاً في الانتخابات الرئاسية المحسومة مقدماً.
طَيَّب، هل تتذكر زميلك الذي فاز بمنصب الرائد ولم يَكُن له تلاتين لازمة طوال العام الدراسي ؟ أمد الله في عُمره، صار أكثر نضجاً الآن وتولى رئاسة البلاد في فترة انتقالية وأنهى مهمته بسلام وها هو الآن يستلقي على كنبة الليفينج روم بابتسامته البشوشة يستمتع بأكل الفشار والفُرجة على قناة فتافيت في مُنتهى السلام والوئام.
هل تتذكر زميلك "عبد الفتاح" الذي كان يصفف شعره على جنب وكان بيقضيها تسبيل لبنات المدرسة كلهم ؟ بيسلم عليك.
طيب، هل تتذكر زميلك الذي كان يأمره المدرس بأن يقف مُراقباً عليكم في غيابه ويُدَوِّن اسم من ينبس بحرف على السبورة، رغم وجود رائد للفصل؟ ها هو قد صار الآن "أمنجياً" قد الدنيا. وهكذا.. قِس على ذلك الكثير بقى.
وبما إن الواحد مراراته لم تتعافى من هزيمة منتخبنا الوطني لكرة القدم أمام السنغال وفقدان آخر فرصة تأهل لكأس الأمم الأفريقية، لا يصح أن أتحدث عن "مصر الصغرى" من دون أن أذكر المعلق الرياضي "حاتم بطيشة"، الذي شاهدت المباراة بتعليقه..
قبل أي شيء لا يفوتني أن أخبركم بتقديري للكابتن حاتم وتصنيفي له كواحد من أفضل المُعلقين المصريين، والحقيقة حتى أنني أتمنى أن أتشرف بمقابلته في يوم كي ألتقط لنفسي صورة معه ويوقع لي في الأوتوجراف الخاص بي كواحد من معجبيه.
كان الكابتن حاتم بطيشة خير مثال على "طريقة إدارة الأزمات" في مصر، دعني أقول (أزمة) لإن المثال المصغر ما هو إلا ماتش كورة، لكن –إن جيت للحق- الأزمات في مصر لم تعد أزمات بالمعنى الحرفي، فنحن انتقلنا من مستوى "الأزمات" إلى مستوى أرقى، وهو "الكوارث"، وسرعان ما صارت كوارثنا "فواجعاً"، واعتدنا عليها كما نعتاد على كُل شيء في حياتنا البائسة. –رحمة الله على أبنائنا الطُلاب شُهداء حادثة أوتوبيس البحيرة-.
نرجع لمرجوعنا.. سوف أُفَنِّد لكم في عدة نقاط العلاقة التي تربط ما قاله الكابتن حاتم وما تقوم به السُلطة في إدارة الأزمات بحكمتها الواسعة:
-          المرحلة الأولى.. أسياد العالم:
بدأت المباراة، فاستعان المعلق بالله وانطلق يؤهب اللاعبين ويذكرهم بأن الوضع حرج "يللا يا رجالة، يللا يا أبطال"، مع إن الرجالة مش سامعينه أصلاً لإنهم في الملعب – الأمر الذي يقوم به كل المعلقين ويستحق مُراجعة أداءهم وتذكيرهم بتعريف المهنة أصلاً (Job Description)-. ثم راح يُذَكِّر المُشاهدين بأننا أسياد أفريقيا ووحوش البطولة، وهو موضوع يستحق التأمُّل فعلاً، لأن –بعد تلك الهزيمة- سوف تُعقَد ثالث دورة إفريقية على التوالي بدون المُنتخب المصري بعد أن خرج "وحوش البطولة" من التصفيات المؤهلة إليها بالسلامة.
وهنا ذكرني بالسادة المسئولين الذين يصدعون رؤوسنا ليل نهار بأسطورة "حضارة السبعتلاف سنة" باعتبارها بمثابة "كسر عين" للمنتقدين، على أساس طبعاً أن الفراعنة كانوا أجدادهم –هُما بس-، وأن المسئول منهم لا يصح تعيينه في منصبه إلا إذا قدم وثيقة تفيد بأنه من نسل الإله رع.
يعني أجدادنا ماتوا وشبعوا موت وتحولوا إلى بترول واصطف عشرات المواطنين في طوابير طويلة عريضة أمام بنزينة (الوطنية طبعاً) كي يستعملوا ذلك البنزين، وبعد أن وصلوا للبنزينة –يا فرج الله- واستعملوه بالفعل وصار البنزين عادماً.. إيه بقى ؟ إيه ؟
-          المرحلة الثانية.. ارجع لأصلك:
اهتزت شباك –وحوش أفريقيا- بالهدف الأول وأُصيب حارس المرمى وخرج في تبديل اضطراري، وهُنا نلاحظ صدمة المُعلق الذي لم يتوقع إطلاقاً الهدف بعد أن نفخ ريشه تماماً وانتفخ ونفخنا معه، تماماً كوزير الداخلية الذي أكد في كلمته في احتفالية انتهاء تدريب أحد الدفعات الجديدة في كُلية الشرطة على أن السجون مؤمنة بالأسلحة الثقيلة وأن الشُرطة تؤدي واجبها على أكمل وجه، ثم صَرَّح "اللي عايز يجرب.. ييجي". –ياريتهم ما سمعوا كلامه. رحم الله جنودنا الغلابة-.
ولعلك تلاحظ الاختلاف الجسيم في لغة الخطاب حين صَرَّح سيادته لجريدة الوطن في مايو 2014: يحز في نفسيتي أننا لا نتلقى التقدير المناسب لحجم التضحيات التي تقوم بها الشرطة.
المهم، راح المعلق يدعو الله أن يسترها ويصبر المشاهدين مُذكراً إياهم بأن "المباراة لسه طويلة"، ويثبت اللاعبين مُذكرهم بأنهم قدها وقدود وأن الحرب ما هي إلا حرب نفسية، ولا يفوتنك –عزيزي القارئ- أن تلحظ انحطاط الآمال الشديد الذي هاجم المعلق، حين تمنى الكابتن حاتم بأن نحرز ولو هدف في الشوط الأول ونخرج منه متعادلين وفي الشوط الثاني ربنا يسهلها، وانتهى به الأمر في الشوط الثاني يقول: "نفسنا حتى في ضربة ركنية".
ثم طفق يُحَمِّس اللاعبين "اضغطوا يا رجالة.. يمكن نجيب جون في الزحمة"، وهو ما يعبر عن الأمل في انتصار بالصدفة، وأعتقد أن حُكاماً كثيرين لا يملكون في جعبتهم إلا ذلك النوع من الآمال.
-          المرحلة الثالثة.. المؤامرة الكونية، وإخلاء المسئولين من مسئوليته:
عندما التفتت الكاميرا إلى شوقي غريب –المدير الفني- الذي كان يشخط في اللاعبين وكان وجهه محمراً جداً من فرط الحماس، دعا المعلق بالثبات للجهاز الفني والجميع "كان الله في العون" مُفصحاً عن إشفاقه الشديد، مُذكراً إياي بهؤلاء الذين يعتقدون أن العلاقة بين فشل المسئولين وتعَلُّقنا بهم علاقة طردية، يعني كُلما فشل سيادته في تأميننا.. كلما ازداد تعلقنا به وعشقنا له وذُبنا في دباديبه أكثر وأكثر.
المهم، عندما خرجت الجماهير الحاضرة في الاستاد عن شعورها وهتفت "رَوَّح يا شوقي"، قال المعلق في البداية: أن الجهاز الفني مستمر رسمياً حتى 2018 –قدر ومكتوب علينا تقريباً- ثم دعا الناس لكي تهدأ وتفكر في حيثيات الوضع وذكرهم بأن الظروف معقدة، وأن مجموعتنا في التصفيات مجموعة صعبة وكلها فرق ثقيلة، وهي بحق: مجموعة الموت. ثم عاد ليذكرنا بأننا أسياد القارة، رغم أنف تلك المؤامرة الكونية.
وعلى طريقة طلعت زكريا في فيلم "غبي منه فيه" حين قال: (ثم إن أنا أصلاً مابحبش الكُشري يا سلطان)، ضرب المعلق ضربته الأخيرة التي حاول أن يقنعنا من خلالها بأن عدم التأهل للبطولة "خير وبركة" لأن ظروفنا سيئة، ومايصحش نروح البطولة ونِتْهَزَّأ برضه.
-          المرحلة الرابعة والأخيرة.. التكشيم أو كان على عيني يا لمبي:
انتهى دور المعلق الرياضي بعد أن أقنع الجماهير بأننا أسياد أفريقيا، ثم يتجلى لنا الآن دور إدارة المنتخب، فينقسم الإداريون إلى قسمين: واحد يرأسه "شوقي غريب - المدير الفني" الذي صرح بعد المباراة بوجه متجهم بأن المباراة كانت "مباراة طيبة"، وأن المنتخب قد أدى مباراة من أفضل مبارياته. ليذكرنا بهؤلاء الذين لا يَكِلُّون ولا يَمِلُّون ليل نهار من ترديد أننا في أزهى عصور الحُرية على شاشات التليفيزيون. "وهاتقتنع يعني هاتقتنع.. هاتتباس يعني هاتتباس".
والقسم الثاني يقوده العميد "أحمد حسن" الذي صَرَّح للأهرام بأنه "ماعندهوش حاجة يقولها" في مشهد مشابه جداً بمشهد عبلة كامل عندما قالت لـ اللمبي عندما كان يريد منها سُلفة وهي تفتعل البكاء والنحيب: "كان على عيني.. هو اللي عند الحكومة بيرجع يا لمبي؟".
ولا أدري، لماذا تذكرت الآن بعض السادة المسئولين الذين لا يواجهون الأزمات بأنفسهم، بل يواجهونها بالتَهَرُّب منها، كأن يلقوا اللوم على "المجني عليهم" لأسباب خزعبلية مثلاً..
وسمعني سلام: أنا مش مش عايز.. أنا مش قادر أديك.

علي هشام

الثلاثاء، 8 يوليو 2014

زحمة يا سجن زحمة

في فبراير/ شباط الماضي قام اللواء أبو بكر عبد الكريم، مساعد وزير الداخلية لقطاع حقوق الإنسان، بمداخلة هاتفية مع برنامج "مانشيت"، عرض من خلالها المُذيع "جابر القرموطي" عليه ملف التعذيب وانتهاك حقوق الإنسان في السجون المصرية وأقسام الشُرطة، وقرأ على مسامع سيادته جزءً من مقال خالد السَيِّد –المُفرَج عنه- الذي يحمل عنوان "هذا ما حدث معي" المنشور في نفس الشهر ويحكي فيه عن شهادته الشخصية وما شاهده وتعرض له من انتهاكات في غضون فترة احتجازه. وطبعاً كان رد سيادته –كأي مسئول في مصر- إن مكاتب حقوق الإنسان بوزارة الداخلية مفتوحة على مصراعيها لكافة المواطنين لتقديم الشكاوى وأنه ربما يكون قد حدث تجاوزاً أو سوء معاملة مع الأخ خالد لكن وبكل تأكيد لم يكن بهذه الصورة لأن السجون لم يكن فيها ما حكاه في الخمسينيات والستينات حتى –على أساس إننا دلوقتي أحسن حالاً يعني-. وقبل ذلك كله أكد سيادة اللواء أن المساجين في مصر يتمتعون بمعاملة إنسانية فائقة ورعاية تأهيلية وصحية واجتماعية وترفيهية، وأضاف سيادته أن ثمة (كافيتيريات) تم انشاؤها داخل السجون كي يأكل منها المسجون في حال إذا لم يكن على مزاجه أكل السجن.

على صعيد آخر، أو على نفس الصعيد –لا أدري-، أدلى مصدر أمني لجريدة الوطن بتصريح لها في أواخر الشهر الماضي يونيو/ حزيران يقول فيه أن سبب ارتفاع معدلات الوفيات في الأقسام هو الازدحام وسوء التهوية، ونفى المصدر حدوث أية انتهاكات أو تعذيب للمتهمين داخل أقسام الشُرطة لا سمح الله، ولم يتبع ذلك التصريح المجهول المصدر أي اثبات أو نفي أو تعليق من قبل وزارة الداخلية.


طَيِّب.. يا أيها المصدر الأمني المجهول الذي ينفي حدوث انتهاكات داخل الأقسام بعد أن أقر بوفاة العديد من السجناء بسبب الازدحام وسوء التهوية، اسمح لي أن اسأل، أولاً إن لم يكن في ما ذكرته انتهاكاً واضحاً صارخاً لحقوق الإنسان، فأي اتنهاكات تلك التي تنفي حدوثها ؟ أهناك نتائج لانتهاك الآدمية أكثر جسامة من لقاء وجه رب كريم ؟ ثانياً وبافتراض أن أقسامنا خالية من حفلات التعذيب والضرب وإن المُشكلة كلها في الزحمة وسوء التهوية، مَن المسئول ؟ أليست وزارة الداخلية ؟ أم أن تلك المُشكلة حلها عند فروع كُشري التحرير مثلاً ؟


في مطلع الشهر الجاري "يوليو/ تموز 2014" أطلقت منظمة العفو الدولية تقريراً يُفيد بأن هناك تراجعاً كارثياً لحقوق الإنسان في مصر معتمدة في ذلك على التقديرات الرسمية التي نشرتها "وكالة أسوشييتد بريس" في مارس/ آذار التي تُفيد بأن المعتقلين في مصر أكثر من 16.000 معتقلاً، وهو رقم ضئيل نسبة إلى تقدير "ويكي ثورة" – مبادرة يقوم عليها المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية- الذي يفيد بأنه تم اعتقال 40.000 شخصاً  ما بين يوليو/ تموز 2013 ومنتصف مايو/ أيار 2014 بينما توفي ما لا يقل عن 80 شخصاً في الحجز على مدار السنة الماضية.

وتعليقاً على تلك التقارير قال مساعد وزير الداخلية لحقوق الإنسان –نفسه- في مداخلة مع برنامج "مانشيت" أنها لها أغراض أُخرى وإن تقرير منظمة العفو الدولية مليء بالمغالطات والمُبالغات، ونفى سيادته أن يكون لدينا 16.000 معتقلاً، بل ونفى أن يكون لدينا مُعتقلين من الأساس.

وفي حين نخوض نحن هنا في هذا الكم من اللغط منذ عشرات السنين، كان معدل الجريمة في "السويد" قد تراجع بشكل ملحوظ مما دفع الدولة لإغلاق أربعة سجون بالضبة والمُفتاح. كما قامت "هولندا" بتحويل أحد سجونها إلى فندق 5 نجوم. (يا كافيتيريات سجونك يا مصر.)
---
غضب "سيد كورن فليكس"  حين أخبرته بموضوع مقالي، وكان أكثر ما يغضبه هو تعدد مصادري في المقال دون الرجوع له "كمصدر له خبرة وتجربة لا يستهان بها في هذا الشأن"، فأخبرته بأنني -وحياة الشاي والبقسماط اللي بيننا- مانسيته وإني ماعرفش إن له خبرة في الموضوع ده. هدأ سَيِّد واقتنع وأحضر لنا طبقين كورن فليكس حتى يحلو الكلام ويروي لي قصته.

لم يحكِ لي موضوع احتجازه من قبل، حيث أنه تار قديم بينه وبين عم أحمد "أُسطى ورشة النجارة" الذي رآه سيد ذات يوم يضرب أحد صبيانه بشراسة ففار الدم في عروق "كورن فليكس" وجَرَّد المعلم صاحب الهيبة والشنبات الفخيمة من بنطاله في قلب الشارع ورَوَّحه بيته ملط، فاستحلف من يومها لـ"سّيِّد" وتسبب في إيداعه السجن بمساعدة أخيه أمين الشرطة، مُتهماً إياه بعقد صفقة غير شرعية مع موزع التموين في المنطقة جعلته يحصل على شاي وسكر التموين لقهوته، كما اتهمه بأنه يغش زبائنه في القهوة ويضع لهم "نشارة خشب" بدلاً من تفل الشاي، ولم يكُن سَيِّد يعلم حينها أن هناك تهمة في القانون للـ"نتانة والاستخسار" مع العلم بأن كُل ذلك محض تلفيق. هكذا.. دخل كورن فليكس الحجز لأول مرة في حياته.

كانت الزنزانة مُزدحمة أكثر من شقتهم يوم طهور أخاه الصغير وضيقة، وكان للزنزانة كبير يُسَيِّر أمورها وله كلمة نافذة على الجميع، واستنبط "كورن فليكس" أن كبير الزنزانة يُعَيَّن بالأقدمية المُطلقة، مما جعله يتفاءل بالمستقبل الرحب الذي ينتظره ويقتنع بأن الدنيا –أخيراً- بدأت تضحك له حيث قرر أنه سيحاول البقاء في هذا المكان إلى أن ينصفه ذلك السلم الوظيفي الفاخر ويصير كبيراً للزنزانة مثل هذا المعلم صاحب الهيبة الذي تنبعث منه رائحة ملوخية، ولم يكف عن التجشؤ منذ صباحية ربنا ولا التلطيش في خلق الله.
كان المعلم كبير الزنزانة يدير المكان من منطلق طبقي بحت نظراً لكثرة أعداد المحتجزين، لم يكن يوزع أماكن النوم بالعدل والتساوي "عشان مش معقولة يتساوى رجل الأعمال والدكتور مع بتاع المظاهرات لا مؤاخذة – على حد قول المعلم"، فكان من يدفع أكثر يحصل على عدد بلاطات أكثر لينام عليها أو يرتع فوقها كيفما يشاء. والعُملة الرسمية في السجن هي السجائر، ولسوء حَظ سَيِّد أنه لم يكن معه حينها سوى ثلاثة سجائر كليوبارترا فَرط، ما جعله ينام نصف الليل على سيفه والنصف الآخر واقفاً كالألف على بلاطة واحدة رافعاً يديه الاثنتين إلى أعلى.
---
يبدو أن الحديث قد ألهانا عن أن ننتبه لأننا نأكل في نهار رمضان، فانطلقت أنا و"كورن فليكس" نبصق في جميع الاتجاهات مُحاولين طرد ما في أفواهنا..
وغَرَّقنا المنطقة تفافة.
علي هشام


المصادر: 

الأربعاء، 28 مايو 2014

عزيزي المواطن.. HAPPY NEW YEAR

ينحني محمد هنيدي –المذيع بإحدى القنوات الإخبارية كما ورد في الفيلم- على ذلك المواطن الأشعث الجالس على قهوة بلدي في منطقة شعبية يبدو عليها التواضع الشديد، قائلاً في بهجة مصطنعة: "ومعانا أحد المواطنين السهرانين وبنقول له كُل سنة وحضرتك طيب.. هابي نيو يير.. ممكن حضرتك تقول لنا راس السنة بتمثل لك إيه؟"
يرمقه المواطن الأغبر المنكوش باحتقار، ويهُب فيه: "انت عبيط يلاه ؟ راس السنة إيه وزفت إيه، انتم مش دريانين بالناس ؟"
الحقيقة إن هذا المشهد لم يفارقني طيلة الفترة الماضية، خصوصاً عندما كان يسأل أحد المذيعين مواطناً "ماذا تطلب من رئيس مصر القادم؟". أولاً: كلاهما –غالباً- يعلم إن الانتخابات المزعومة ليست انتخابات بحق، ولكنها مراسم تنصيب "على واحدة ونُص" للمارشال. يعني لا داعي لأن نبهم الأمور ونُطلق عليه "رئيس مصر القادم"، فيكون السؤال هكذا: "ماذا تطلب من السيسي بعد أن تصير الجمهورية رسمياً في جعبته؟".
ثانياً: ماذا يتوقع السائل من المواطن في إجابته ؟ هل ينتظر منه مثلاً أن يخبره بأنه يريد  من الرئيس "واحد شاورمة من غير طحينة لو سمح" ؟ بالطبع إن ذلك المواطن –حاله حال أي مواطن سوي- يطمح في أن يرتقي حال البلد وأن نقضي على البطالة وأن يحصل هو على رغيف عيش "خالي من المسامير" بسهولة ويُسر دون أن تُرشَق في جانبه مدية. يريد أن يحصل على قوت يومه بسهولة. يحلم بأن يعيش بكرامة دون أن يكون لواحد من أجهزة الأمن الحق في أن ينهال بكَفِّه على قفاه. يحلم بأن يعيش آمناً.
وهل سوف يتحقق الأمن يا ترى ؟
إذا أراد الرئيس أن يلتف حوله الشعب فعليه بحل من اثنين، أو كليهما.. إما أن يوفر للناس لُقمة عيشهم، أو أن يضع مشروعاً وطنياً ما في الأُفق –حتى ولو كان وهمياً- كي يلتف الناس حوله متغاضين حتى عن لقمة العيش إذا لم يوفرها لهم في سبيل تحقيق انتصارات في هذا الاتجاه، أو بمعنى أصح: التخلص من الـ"بُع بُع".
وحيث إن المارشال المدعوم من كافة رجال أعمال وأركان نظام مُبارك أخذها من قصيرها وتبنى خطاب "أنا مش قادر أديك.. أجيب لكم منين يعني ؟" من قبل أن يتولى مقاليد الحُكم أصلاً. فلا تضع أملاً في أن يوفر للناس لقمة العيش حتى ولو في سبيل أن يلتفوا حوله. وبهذا الشكل.. لم يتبق سوى الحل الآخر، وهو أن يستغل قضية ما كي يلتف الناس حوله، ويكون بقاؤها من بقائه.
بالطبع إن الذي أطبق الحصار على غزة في فترة المرحلة الانتقالية بعد رحيل الإخوان، وصرح بأنه يحترم "كامب ديفيد" والسلام مع إسرائيل، بل وإنه يريد التوسع فيه، لن يتخذ "القضية الفلسطينية" كمشروع وطني. خصوصاً بعد أن صارت –للأسف- "القضية الفلسطينية" سيئة السُمعة في مصر.. فصارت مُناصرتها سُبة !
أنسب قضية يُمكن استغلالها –وهو ما يحدث بالفعل- هي الأمن، أو "الإرهاب".. من خلالها يقبضون على الشباب الذي فجَّر ثورة الخامس والعشرين من يناير. يضغطون على المواطن المصري كي يتحمل فقره المدقع.
إنهم يتاجرون بآلام المواطن في سبيل ذلك، والمُريب.. إنهم لا يحلون تلك القضية ! –سبحان الله-
شئتم أم أبيتم.. فقد قامت ثورة نبيلة في الخامس والعشرين من يناير عام 2011. استشهد فيها ورد الجناين وهُم يهتفون بالذي هو محفور في قلوب ثوارها الأطهار إلى الآن:
عيش.. حُرية.. عدالة إجتماعية..
عيش.. حُرية.. عدالة إجتماعية..
علي هشام

الثلاثاء، 4 مارس 2014

"كورن فليكس" مُرشحاً لحقيبة وزارية

لم يَكُن قَد سبق لي أن رأيت صديقي "سيِّد كورن فليكس" في مثل هذه الحالة من قَبل. كان جالساً في القهوة يُبحلق في اللاشيء بذهن شارد ويبدو على وجهه الذي يتصبَّب عرقاً هَم جسيم، وما أن انتبهت لذلك حتى سألته في قلق عن ما به، فأخذ نفساً عميقاً ثم طرده في عصبية قبل أن يطلق حشرجات مُقلِقة غير مفهومة، ويجيب في تأثر: "بيعملوا وزارة جديدة.. و حتى ماكلمونيش ! تخيَّل يا أخي ؟ "
قبل أي شيء دعوته لأن يُوحِّد الله ويُحضِر لنا حاجة نشربها عَلَّنا نجد حلاً للمشكلة العويصة..
"كورن فليكس" يرى أنه كامل الأوصاف التي تؤهله لأن يتولى أجدعها منصب فيكي يا بلد. في رأيه أنَّ أحداً من هؤلاء المسئولين لا يفرق عنه شيئاً، بل إنه هو الذي يفوقهم في كُل الأشياء. هو يرى أنه قدَّم خدمات للمواطن وللصالح العام أكثر منهم جميعاً، إضافة إلى أنَّهم لا يَشعرون بالشعب مثله..
هل يمتلك أحدهم (توك توك) كـ"سيِّد" ؟؟
بالمُناسبة، التوك توك مكتوب عليه من الخلف "لو صاحبك باعك، طلع له دراعك"، وهو ما يشي بأن "كورن" يكره الخيانة، مما يضمن أنه لن يخوننا في يوم، إضافة إلى أن العبارة تؤكد أنه لا يبادر أبداً بعدوان على أحد، في حين أنَّ كُل واحد من السادة المسئولين "مطلع دراعه" ونازل تلطيش في خلق الله.
قبل أن يفيدني بإجابة عندما سألته "أي الوزارات تفضل أن تتولى يا كورن؟" أخبرني بأنه ينزعج مني عندما أحدِّثه بالفصحى، لأنه "مابيحبش جَو كابتن ماجد ده".. ثم تابع: "يا زميل أنا –وأعوذ بالله منها كلمة- اتحَط في أي مَصلحة اشتغل لَهلوبة"..
مثلاً.. وزارة الرياضة، حين كان وَزيرها في الحكومة السابقة يُطلق تَصريحاً مفاده تحريضاً على إلغاء النشاط الرياضي لأن ذلك سوف يوفر قرابة الـ600 مليون جنيه من ميزانية الدولة لمجرد أنه يريد أن يتجنب وجع الدماغ، كان "سيِّد" يُكافح من أجل اقتناء "وصلة ديش" في قهوته لكي يوفر لزبائنه مشاهدة كريمة على مباريات الدوري، إضافة إلى المجهود الخرافي الذي يبذله مع كُل ماتش في رفع أعلام الفرق المتنافسة أمام القهوة والتَخديم على المتفرجين. وبالمناسبة، اهتماماته ليست قاصرة على كُرة القدم فقط، فقد أوصى جاره "عم أحمد النجار" أن يصنع له (ترابيزة برررياردو -عشان الناس تنبسط-).  قُل لي بالله عليك، أيُّهما أفيَد للوطن ؟!
أمَّا عن وزارة الداخلية.. فالأمر مُختلِط شويتين على "كورن"، هَل مُهمة الوزارة حماية المُواطنين وتوفير الأمن والأمان لهم ؟ أم أن مهمتها الاعتداء عليهم وتعذيبهم وإهانتهم والتنكيل بهم ؟
عموماً.. في كلتا الحالتين "رقبته سدادة". مُنذ يومين كان أُسطة ورشة النجارة "عم أحمد"  يضرب أحد صبيانه، ولم ينقذ الولد أحداً من قبضة المعلم الكبير سوى "أبو السِّيد"، ولم يكتف بذلك فحسب، فقد حَنَّ قلبه من ناحية ذلك الطفل البريء الذي لم يرتكب جُرماً في حياته لكي يُعامَل بهذه الطريقة المهينة بخلاف أنه وُلِد من بطن أُمه فقيراً مما أجبره على تحمل الإهانات منذ نعومة أظافره، فأصر "كورن فليكس" على أن يأخذ للصغير حقه من ذلك الظالم المُتَجبِّر بأن جرد هذا المعلم صاحب الشنبات الفخيمة والهيبة من بنطاله في قلب الشارع، وبذلك يكون قد جعل منه فُرجة لكل من هَب ودَب وسيرته صارت على كُل لسان.. وعليه العوض ومنه العوض في "ترابيزة البرياردو" إيَّاها.
أما عن الاحتمال الآخر، أن تكون مهمة الوزارة الأصلية هي الاعتداء والتعذيب والتنكيل والإهانة، فـ"سيِّد" لا يخشى لومة لائم، ولكن في الحق طبعاً. دعوني أُخبركم بمصير الزبون الذي أضاع "قُشاطين طاولة" من القهوة في المرة الفائتة.. حَمَى وطيس المعركة بين "كورن" والرجل بعد أن فتن عليه بعض شهود العيان قائلين أنه أخبأ القُشاطين في "الكلسون لا مؤاخذة حضرتك"، وما لبث سيد أن سمع تلك الشهادات المتواترة حتى انقضَّ على الرجل فجأة وفقعه علقة معتبرة –حاكم سيِّد مايحبش اللي يلعب بيه-، وأصرَّ على أن يفتشه تفتيشاً ذاتياً إلى أن عثر على القُشاطين فعلاً في المكان المذكور، ولم يرض أن يترك الرجل وشأنه إلا عندما يأخذ حقه تالت ومتَلِّت، "ويعلِّم عليه" بأن يترك له تذكاراً أبدياً بسيطاً في هذه المنطقة ليصبح عبرة لكل من يعتبر.
أما عن وزارة الصحة، التي أصدرت آخر وزيرة لها تصريحاً تطالب اللأطباء فيه بأن "يهشُّوا" القطط من المُستشفيات ويبدأوا بالتغيير من أنفسهم أولاً قبل أن ينتقدوا المسئولين، فـ"سيِّد" صار خبيراً في شأن هَش القُطط هذا، فالمنطقة كُلها تذكر له آخر صلاة عيدعندما كان هو المسئول يومها عن تَحصين المنطقة من الكلاب والقطط في ساعات الصباح الباكرة. كما أن في تولي "كورن فليكس" مقاليد الوزارة خير لصحة المواطنين من أن تتولاها تلك السيدة.. فأنا أضمَن لكم أنَّه لن يُدلي بمثل هذه التصريحات العجيبة، مما يؤكد على أن صحة المواطنين الإنجابية سوف تبقى بخير.
انتابني قلق مفاجئ من أن يكون غروراً قد أصاب صديقي "سَيِّد"، هو الذي دفعه لأن يدَّعي أنَّه يصلح لأجدعها منصب في البلد.. سألته في هذا الشأن بحُكم علاقتنا الوطيدة وخوفي عليه، فأجاب بموشح من الحوقلات والاستعاذات بالله، ثم قال بأنه سمع ذات مرة مثلاُ شعبياً بليغاً يقول:
"لو شاف القرد حَمَار إيـدُه.. مكانش يهزها"، ثم أتم كلامه:
-          العياذ بالله من الغرور، بس لا مؤاخذة القرد أبو ألوان اللي لسه جايب في سيرته ده لو مسك منصب هاينفع الناس أكتر من كده..
 العبد لله مش فتوَّة يا زميل.. هُما اللي مش تمام.
علي هشام
مقالي الأُسبوعي الذي كان من المُفترض أن يُنشر في عدد جريدة الوادي الموقوف طبعه. (بتاريخ: الثلاثاء - 4 مارس 2014).

نُشرت في "بوابة يناير".

الأربعاء، 26 فبراير 2014

الشوارع – للأسف - حواديت

بات يحُز في نفسي أن أَمُر من هذا المكان المشئوم، فقد شهد واقعة أليمة. كنت ماشياً من هُنا وفجأة هطلت عليَّ مياه غزيرة من حيث لا أدري، نظرت فوقي فوجدت سيدة تقف في شرفتها ممسكة بـ"جردل مسح" تطل بوجهها المرتسم عليه ضحكة بلهاء وكأنها تتأكد من أنها قد أصابت هدفها المطلوب، هاتفة: "ماتخافش يا عسل.. دي مية وسخة بس." ولا أدري ماذا كانت تنتظر "أسوأ" من ذلك !  
ولكن، هل يجوز أن يبغض المرء المشي ولو على شبر واحد من أرض وطنه، أياً كان السبب ؟ حتى ولو كان هذا المكان قد شهد واقعة كهذه، وهي بالتأكيد أقل جسامة من حدث آخر، عندما وقف واحد من خير أجناد الأرض فوق مبنى مجلس الشعب في "موقعة مجلس الوزراء" وبال -عمل "بي بي" يعني- على رؤوس المتظاهرين.. ولكن كُن متسامحاً يا أخي، واعتبر أن الذي حدث ما هو إلا خطأ فردي نتج عن دون قصد، فربما كان مزنوقاً.. يعمل على روحه يعني ؟! ولا تتعجب مما حدث في نفس الموقعة، عندما أُلقي على المتظاهرين كسر رخام وقطع أثاث وأطباق من داخل المبنى، فأنا أتذكر أن أحد أطفال العائلة أقلع عن هذه العادة السيئة عندما كبر ونضج، ولكن بعد أن أصاب –وهو صغير- رجلاً غلباناً بعاهة مستديمة في أنفه، جعل ذلك التفريق بين حرف النون وباقي الحروف في كلامه أمراً مستحيلاً.
أعلم أن الكثير من شوارع الوطن قد باتت تذكرنا بآلام أُخرى جسيمة، ولكن لا أعتقد أن أحداً لم يسمع "شيرين" -أطال الله في عُمرها الذي تفنيه في خدمة هذا الوطن وشبابه، فلولا أعمالها الثمينة لما احتفلنا بإنجازات الوطن.. في كأس الأُمم الأفريقية لكرة القدم طبعاً- عندما قضت جزءًا معتبراً من أُغنيتها الشهيرة في المحايلة والزن على المستعمين لترقيق قلوبهم شوية من ناحية الوطن، قائلة: ماشربتش من نيلها ؟ طيب جربت تغنيلها ؟ جربت في عز ما تحزن تمشي في شوارعها وتشكيلها ؟ مامشيتش في ضواحيها ؟ طيب ماكبرتش فيها ؟ ولا ليك صورة ع الرملة كانت ع الشط في موانيها ؟؟... لم أكن أخشى بعد هذا الكم الجسيم من المحايلة في هذا المقطع سوى أن يبدأ الكوبليه المقبل بـ"طب هات نص جنيه افطر الله يحنن عليك".
لم أصمد كثيراً أمام إلحاح الست شيرين في أغنيتها، وقررت أن أنظر لشوارعنا بنظرة أُخرى، نظرة أكثر عمومية وشمولية. رأيت في الشارع شباباً تربوا على سعار جنسي، جعل عقولهم في أنصاف أجسادهم السفلى، دفع أعينهم لأن تبحلق في أي أنثى سائرة، هاتفين فيها: "مصلحة وللا مرَوَّحة"، وربما سمح ذلك السعار لأغلبهم أن تمتد أيديهم هي الأُخرى على أجساد البنات. أما على الصعيد الآخر، فكثير من البنات باتت تفضل أن تسير في الجحيم ولا تسير في الشوارع، وهناك قطاع آخر منهن تكيف مع الوضع ولم يرحمه هذا السعار الذي شبط في أقرانهم الذكور، مما يدفعهن لأن يهمسن بصوت خفيض –عشان عيب- في آذان صديقاتهن "بصي الواد المُز أبو شعر مسبسب اللي جاي علينا ده، جامد موت.. هييييح". رأيت في الشوارع لصوصاً يرتعون في أمان دون رادع، مستبيحين ما هو محرم عليهم حيث يقدرون في أية لحظة على "تثبيت" أجدعها سائر في الشارع وسرقة مقتنياته.
رأيت في الشارع أُناساً على وجوههم ملامح الأسى والحُزن بعد أن يأسوا من إدراك حياة كريمة، بينما رأيت آخرين يضحكون هروباً من الهم الذي يعرف طريقهم جيداً "وكأنه لم يعد أحد في هذا البلد دون أنين – تعبير استخدمته من قبل في مجموعتي القصصية الأولى (نقل عام)-"..
رأيت في الشارع تراباً سار عليه الشهداء -أشرف من فينا- في يوم من الأيام.. هو نفسه التراب الذي يدهسه الآن من قتلهم وهو طليق لم يحاسَب ولم يقتص منه.

"الشارع ده كُنا ساكنين فيه زمان.. كل يوم يضيق زيادة عن ما كان.. أصبح الآن بعد ما كبرنا عليه..

زى بطن الأم مالناش فيه مكان" – على رأي عَم مصر: صلاح جاهين، في قصيدته "الشوارع حواديت".

الحياة في البلد أصبحت صعبة.. فاللهم هَوِّنها علينا. وحواديت الشوارع باتت بائسة، فاللهم نَجِّنا منها.. أو نَجِّها منا.. أيهما أصلح.

- - -

ما لبثت أن انتهيت من مقالي هذا حتى دلفت إلى القهوة التي يعمل بها صديقي "سيد كورن فليكس"  لكي أعرض عليه ما كتبت قبل أن أُرسله إلى الجريدة هذا الأُسبوع.
دعني أخبرك بأصل التسمية.. اسمه "كورن فليكس" لأنه أول من أدخل هذا الاختراع إلى القهاوي البلدي، في المبتدأ لقى الموضوع استهزاءً من أولاد الكار وبعض الحاقدين، لكنه آمن بما قاله غاندي: "في البداية يتجاهلونك، ثم يسخرون منك، ثم يحاربونك، ثم تنتصر" أصله مثقف. سيد عمل بنصيحة الحاج غاندي وانتصر فعلاً وصارت قهوته شهيرة بهذا الاختراع الغريب على زبائنه الذين افتكروه في بداية الأمر "عَيل طري" لأن ذلك الاختراع يبدو افرنجياً بزيادة وغريباً عليهم، لكنه أثبت لهم أن الكابتن ممدوح فرج يتغذى عليه، بعد أن استعان بأخيه الذي حصل على شهادة دورة الـ"فوطوشوب"، في تركيب صورة للكابتن بعضلاته المفتولة وبجانبه طبق كورن فليكس.. ومن يومها، والناس وقعوا في غرام هذا الاختراع اللوزعي، حتى إنهم راحوا يأكلون هذا الكورن فليكس صباح مساء حتى إن "سيد كورن فليكس" أصبح يُعامَل في المنطقة كبطل شعبي.
المهم أنني وجدت الشارع مقلوباً أمام قهوة "سيد"، وبعدها عرفت أنه في مشاجرة مع أحد الزبائن حيث أضاع الزبون (قُشاطين طاولة). سرعان ما انتبه لتواجدي في المكان ففض الليلة وسحب كرسيين وجاء لي مسرعاً. قرأت له المقال وأشاد به جداً، وأخبرته عن قلقي من أن ينهش أحد النقاد في ناعتاً إياي بالتعالي على الشعب والبلد لأنني أقول أن العيشة فيها بقت صعبة. نظر لي "كورن فليكس" نظرة ملؤها الحنق، وقال لي بصوته الذي يشبه الشكمان المخروم:
"انا قلتلك يا زميل لما اتكلمنا في الموضوع ده قبل كده... إن دي حقيقة مش رأي" !!
علي هشام

الثلاثاء، 18 فبراير 2014

لابسين...

لم يكن من الضروري أن تخرج مواكب فرقة "حسب الله" المهيبة بأعداد كاملة من العازفين، فكان يكفيها تواجد -في حدود- أربعة آلاتية محترفين فقط يسيرون الليلة بأكملها، بينما الباقون كانوا كومبارسات، لا يفقهون شيئاً في أُمور الموسيقى وكان تواجدهم فقط لكمالة العدد وإكساب الموكب مزيداً من الهيبة والوقار، كانوا كالعازفين الأصليين يتشحون بالزي الكاكي المزركش ويمسكون بالآلات النحاسية نافخين أشداقهم محركين أصابعهم على المفاتيح متمايلين بجذوعهم "قال يعني بيعزفوا".. أطلق عليهم أولاد الكار (لابسين مزيكا). كُل جالس على مقهى في شارع محمد علي كان مُرشحاً لأن "يلبس مزيكا" بمجرد أن يصافحه أحد سماسرة الفرقة ويسأله: "تلبس مزيكا ؟؟" بينما الآن.. وقد تغير العصر والزمان، أصبح كُل جالس على مقهى معرَّضاً لأن "يلبس كلابشات" -سلامٌ معتقلي القهوة-.
أعتقد أن تلك النظرية (لابسين مزيكا) أصبحت هي لسان حال عيشتنا بأكملها، وبالتأكيد البلد.. فلا أعتقد أن أحداً يختلف معي على أن البلد "لابسها عفريت" !
لم يرحم الزيف شيئاً، فقد طغى وتوغل وكسى كُل شيء وبرطع كمان في شتى جنبات البلاد..                              
الأب والأم يقبلان ابنهما في الصباح قبل أن ينزل إلى المدرسة –لابسة مدرسة- الحكومية داعين الله أن يجعل منه عالماً فذاً، حيث أنهم لا يرون للولد أية سُبُل إلى النجاح إلا عن طريق حصد درجات عالية في تلك المنظومة التعليمية الفاشلة، هم يعلمون جيداً أن "المدرسة" التي يدلف إليها طفلهم كُل يوم هي أقرب إلى "مجهلة" منها إلى هذا الاسم، وأن الله لن يجعل من ابنهم عالماً بهذا الشكل لأن زمن المعجزات قد وَلَّى، حيث يقابل الولد هُناك أُناساً "لابسين مدرسين" نصفهم لا يقدر على تفريق الألف من كوز الدُرة، يمسكون بعصيان وخراطيم مياه يجلدون بها التلاميذ جلداً خالطين بين عملهم الأصلي كمربين للأجيال وبين العمل كمربي أغنام أو الخدمة في أحد أقسام الشرطة.
في مصر.. تجد أطباءً "لابسين أطباء"  يمثلون أنهم قد تعلموا الطب بعد قضاء أكثر من ست سنوات في كنف كليتهم ذات المعامل الخربة وأنابيب الاختبار التي لم يمسوها –أصلها عُهدة-، ليتخرجوا منها بعد قضاء "مُدة العقوبة" يمثلون أنهم يعالجون مرضى بإمكانيات معدومة أصلاً، أو أن يحضر الطبيب إلى المستشفى ليتظاهر بأنه قد حضر وأدى مهمته، ولكنه في الحقيقة يكتفي باحتساء فنجان القهوة مع سيجارته. وعلى الصعيد الآخر، يذهب المرضى إلى المستشفيات، التي هي أقرب إلى "المستمرضات"، قاصدين العلاج وهم يعلمون أنهم سيخرجون من المكان بأضعاف الأمراض التي قد دخلوا بها إليه.. فإذا نجوا من غشومية طبيب جاهل ربما لا يحالفهم الحظ مع الآلات والأجهزة الغير معقمة –على سبيل المثال لا الحصر-.. حتى المريض "لابس متعالج".
أما الكُرة معشوقة الجماهير، فهي أيضاً "لابسة كورة" في مصر.. الدوري يبدأ كل عام في منتصف الموسم، تلعب فيه الفرق عدد هزيل من المباريات قبل أن يوقف لـ"ظروف أمنية".. حتى نمى لنصف اللاعبين كروش، والنصف الآخر صار يشبه أحمد جعفر في التكوين.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
يُذكر أن المشجعين شهداء مذبحة استاد بورسعيد لم يقتص لهم بعد، في حين تطلب الدولة من إخوانهم ورفقائهم أن يعودوا لتشجيع الكُرة وأن يوظفوا طاقاتهم في مكانها "الصحيح" !!!
حتى دستور البلاد الذي لم يكن يعلم أغلب المشاركين في الاستفتاء عليه موضوعه أساساً.. "لابس دستور"، لا أستطيع أن أفهم العلاقة بين مفهومه كدستور وبين الاستقرار المزعوم، وبالرغم من ذلك  فإن أحداً لم يقرأه، ولا أحد يعمل به، حتى الدولة بذات نفسها تخرقه يومياً بانتهاك حقوق المواطنين في الأقسام والشوارع بحُجة مكافحة الإرهاب.
حيث إن البلد غارقة –حرفياً- في الزيف، لا تتعجب من أمر انتخابات "لابسة انتخابات" يخوضها مرشح واحد تؤيده الدولة، والباقين هُم أشبه بالكومبارسات. وبمناسبة الانتخابات الرئاسية والكومبارسات والتطبيل المتفشي في أرجاء البلاد..
لا تنس –عزيزي القارئ- أمر فرقة حسب الله التي كانت تضع أُناساً "لابسين مزيكا" لا يعرفون العزف في صفوفها.. فلم يكن للعرض أن يكتمل من دونهم.

علي هشام

الاثنين، 10 فبراير 2014

الحُكام لا يركبون المترو

دائماً ما تثير إعجابي فكرة "المواصلات".. ناس مدفوسون في صندوق كبير لا يشترك أيهم مع الآخر في أية شيء سوى في المكان الذي يقصده كُل منهم، وفي المترو –غالباً- لن تجد حتى تلك النقطة المشتركة بحُكم المحطات الثابتة. آلاف من البشر يترجلون في مساحات ضيقة -نسبة لعددهم- كل منهم يبتغي الوصول لعربة المترو "الصندوق الكبير". زحمة هائلة يصنعونها بأجسادهم المتكدسة حتى صاروا كأسراب النمل التي تجري بانتظام ونهم، كُل من الناس له حكاية مستقلة، له فيها ما يكفيه من كل شيء.
أما ساعات الذروة فلها تحكمات عجيبة، حيث يصل الزحام إلى مداه ويتصرف الكُل بعفوية لا مثيل لها لتزول الفروق بين هؤلاء الناس، أو لنقُل "النمل". فمثلاً.. قد تضطر بنتاً تتشح بخمار يصل إلى خصرها أن تجلس في أية مكان شاغر تجده حتى ولو بجانب رجل، وهو ما تراه هي عادةً خطيئة، ولكن الإجهاد اللعين قد أجبرها على فعل ذلك، وأيضاً محافظة على نفسها من التحرش وعيون الناس التي تشعر بأنها تخترقها، وبذلك تكون قد صنعت لنفسها قانوناً خاصاً.. حيث تجنبت خطأ جسيماً بخطأ بسيط، وطبعاً الخطأ شيء نسبي.
وفي هذا المسار العفوي.. يتملكني اليقين من وجود تفسير علمي لتلك العلاقة التي نشأت بيني -أنا راكب المترو الذي استحوذ بالكاد على مقعد- وبين ذلك الراكب الآخر الذي يقف منتصباً أمامي بينما أنا جالس. تلك العلاقة التي تتشكل بمجرد أن تلتقي عيني بعينه لدقائق قليلة تخللها الكثير من البحلقة.. فأشعر بمعاناته، مما يدفعني أن أغمزه وألكزه لأزاحم الناس وأدفعهم دفعاً عند مغادرتي حتى يستحوذ هو على المقعد من بعدي، وكأن راحته باتت قضيتي الشخصية التي يجب أن أُحارب من أجلها.. فقط، لأنني نظرت في عينه.
لم أكن أعلم شيئاً عن ذلك الشخص، بل وربما لو كُنا قد تقابلنا في موضع آخر لنشب بيننا شجار بسبب التزاحم –أيضاً- انتهى بتشويحة في الهواء وسُبة. أو ربما يكون لصاً من راكبي المترو كان سيدفس يده في جيبي ويستل ما يريد دون أن أشعر، بسبب الزحام –برضه-. أو ربما مثلياً يلتصق بي من الخلف إذا تقابلنا خارج عربة المترو فينتهي الأمر بصفعة على وجهه. وربما هو إنسان عادي كباقي خلق الله في الأرض، كان سيمر بجانبي مرور الكرام دون أن ألتفت له أو يلتفت لي.
المهم أن مهمتي لم تكن أن أُحفظ لهذا الراكب –أو غيره- راحته أو أن أهتم بها أصلاً، لكن ما حدث هو شيء تلقائي عفوي. وفي اللحظة هذه يلح عليَّ سؤال.. ماذا عن حاكم البلد والمترو وأسراب النمل هذه ؟ تُرى.. هل تلتقي عين الحاكم بأعين من يحكم أصلاً حتى يشعر بهم ؟ هل يرى الحاكم عندما يلقي خطاباً ردود أفعال الناس فعلاً ؟ "هكذا كنت أعتقد في طفولتي، أن من يظهرون على التلفيزيون يروننا كما نراهم نحن، ولهذا السبب لم أتجرأ باستبدال ملابسي يوماً أمام هؤلاء الغُرب"، أم أن ردود الأفعال تأتيه مُغلفة بدوسيهات وأختام شتى من المسئول المعنى بنقل نبض الشارع ؟ "كده وكده"، وكأن قصر الرئاسة في كوكب آخر، وكأنهم يسلبون من الحُكام حواسهم على باب القصر، فلا يقدرون على متابعة شيء بنفسهم !
هل يعرف الحاكم كُلاً من أفراد الشعب ؟ وبالطبع لا، لا أقصد تلك المعرفة التي طرقت باب تفكيرك الآن، فالمعرفة التي تقتصر على التقارير الأمنية "بلاش منها أحسن". أنا أقصد المشاكل والهموم والعيشة المُرة.
من المفترض أن الحاكم قبل أن يصير حاكماً كان محكوما، لذا فإنه عندما يظلم شعبه فذلك يعد شيئاً مفزعاً ومنافياً للمنطق، كيف تظلم أُناساً كنت أنت جزءاً منهم في يوم من الأيام ؟ فما بالكم بحاكم لم يكن محكوماً من قبل ؟
قَتَل المخلوع مُبارك المصريين وسجن الكثير خشية من حدوث ما حدث له في مثل هذا اليوم الذي تقرأ فيه يا عزيزي القارئ مقالي هذا (11فبراير – ذكرى خلع مبارك). وياللعجب، فالرئيس لم يكن يعلم أن الثورات تأتي من حيث لا يدري ! مما يجعله لا يستأهل أن يصبح رئيساً من الأساس، لأنه راسب في مادة التاريخ.
إذا أردت أن تجد تعريفاً للغباء، فانظر إلى تصرفات الطغاة بعد أن سحرتهم كراسي السُلطة مع شعوبهم التي لا يعرفون عنها شيئاً. والعجيب المُريب: أن أحداً منهم لا يستفيد من تجربة من سبقه، حيث فعلوا ما يفعل، وانتهوا.
وعلى صعيد آخر.. لا يصح أن نسمع أحداً من رجال الدولة يتحدث عن أية اهتمام بالفن، فهم لا ينصتون للفنانة نانسي عجرم، التي قالت: مفيش حاجة تيجي كده.

الأحد، 2 فبراير 2014

اكتملت لِحية البطريق

(1)
مال عليَّ بجذعه مقدماً لي يمناه الممسكة بعلبة سجائر مفتوحة بعد أن استل هو منها واحدة أسكنها زاوية فمه، سأل:
-          سيجارة ؟
يدي الاثنتين وضعتا تلقائياً على ياقة قميصي فخراً، ثم حشرجات مفتعلة.. وإجابة:
-          لا والله.. أنا أصلي مبادخنش.
الفخر هُنا كان لشيئين، واحد أنا سبب فيه.. وهو أنني نظيف تماماً "ذلك التعبير الذي أطلقه عليَّ صديق هندي لأنني لا أُدخن، مثله"، والآخر ليس لي يد فيه على الإطلاق، وهو أن الرجل توسم في احتمالية أن أكون مُدخناً، فشكلي بات لا يشي بطفولة، أي أنني كبرت.. وهو ما قد ينجيني من يدين تمتد فجأة على وجنتي مداعبة: "لمض قوي". وعلى صعيد آخر.. نفس الشيء، قد يكون أعلن عن دخولي في دوامة الحياة الحقيقية التي تبتلع من يقترب منها، ولا أدري إن كانت قد ابتلعتني فعلاً، أم أنها مازالت لم تفعل.. وأنني لم أرَ "حاجة" بعد !
(2)
شعرٌ ناعم خفيف سكن تحت السالفين، سرعان ما تسلل إلى الذقن بينما كان قد اكتمل الشارب فوق الشفاه العُليا، ورويداً رويداً صارت لحية مكتملة بشارب كالكبار، نادراً ما توجد عند أحد من سنه. وفجأة.. باتت تُطرح أسئلة لم يعتد عليها يوماً:
-          إيه الدقن دي؟ تدين وللا روشنة وللا نتانة؟
لتأتي الإجابة العفوية:
-          نتانة طبعاً !
(3)
ترك الرجل الكرسي الذي كان يجلس عليه أمام متجره، وانتصب واقفاً مبحلقاً في وجهه متأففاً:
-          لازم يعني تمشي من على الرصيف ؟
ثم تابع متمتماً لمن بجانبه راسماً بيده لحية وهمية في الهواء على وجهه:
-          تلاقيه منهم طبعاً.
(4)
كان الطفل يجري هلعاً على درج المبنى، صائحاً: "الراجل ده بدقن" مشيراً إليه، فلحقه وأمسك به محاولاً التفاوض في هذا الأمر، فكان رده: "ابعد عني.. انت أكيد معاك كنابيل مولوتوس كمان".
منذ أن حدث هذا الموقف.. وسؤالٌ عن ما يسكن في دماغ هذا الطفل يلح عليه، أو ما أسكنه الكبار دماغ هذا الطفل وما تربى عليه، وبالفعل وجد الإجابة، هو شيء يعف لسانه عن ذكره.. لكن الطفل يسميه –في لغته-: "بي بي".
(5)
لا أدري ما الدلالة السياسية لذلك الشعر الذي ينبت للرجال في الوجه ؟؟ يعني هل إذا أزال الإرهابي هذا الشعر من وجهه صار مواطناً صالحاً وسقط عنه ما اقترفه أو ما سيقترفه ؟؟
(6)
حالة تسيطر على الواحد، كتب عنها أُستاذنا مُريد البرغوثي في روايته "رأيت رام الله": غبش شامل يغلل ما أراه، وما أتوقعه، وما أتذكره.
بينما تتملكني هذه الحالة، والتي لها صلة وطيدة بالاكتئاب، الذي أغلبه تارة ويغلبني تارتين في مستنقع العبث الذي وجدت نفسي فيه، أجلس محاولاً الكتابة بعد انقطاع، وهموم ستة عشر عاماً "عُمري" على كتفيَّ، الذي قضيت قرابة نصفهم في اللعب مع المُكعبات، والحفاظ على توازني وأنا سائر كالبطريق إلى أن أصل إلى يدي أحد أبوي المفتوحتين على آخرهما مستقبلة إياي، والتظاهر بقراءة كتب ومجلات أمسكتها بالشقلوب، ومحاولة نطق الباء والميم "بابا وماما".. أما عن النصف الثاني، وها أنا فيه الآن، أُحاول أن أستكشف هذه الدنيا الفسيحة التي دلفتها فجأة من دون رغبة، بتفاصيلها الهائلة المزعجة..
وفجأة.. أجد أُستاذي بهاء جاهين يهمس في أُذني بما كتبه في مقدمة مجموعتي القصصية الأولى:
".. وأدعو الله أن ترحم السياسة قاتلة الرجال هذا الفتى الذي انغمس فيها قبل الأوان، فيزداد عوده صلابة دون أن تشوهه مرارة العجز والخيبة والقهر وألاعيب الحواة.."
علي هشام