الاثنين، 13 ديسمبر 2021

نافذتي على مصر

أعتبر الفيس بوك نافذتي على مصر، أعرف منه أخبار الطقس والتريندات، أشاهد عليه أهداف المباريات ولقطات من برنامج مدحت شلبي الذي يقوم معي بأحلى واجب مايقدرش عليه أجدعها برنامج كوميدي. أقرأ بوستات الأحباب لأطمئن عليهم، أما البقية فأعتبر عدم سماعي أخبارًا عنهم يعني ضمنيًا أنهم بخير، عملًا بالحكمة الانجليزية No News, Good News.
كنا نقول على سبيل التهكم أن الفيس بوك أصبح صفحة وفيات، ولم أكن أتخيل أن الواقع مازال قادرًا على إبهارنا بمزيدٍ من القبح. أفتح الفيس بوك يوميًا لأجد مزيدًا من الأشياء المخيفة، أنا أعني ما أقول، لا أتحدث عن الهم والغم والنكد، أنا أتحدث عن أشياء مخيفة ومُفزعة.
اليوم على سبيل المثال كان ملخصه كالتالي: حادث مروع بالشيخ زايد راح ضحيته أربعة شباب تحت عجلات سيارة مجنونة يقودها متعاطي مخدرات سكران. زوجة تقتل زوجها بالدقهلية بعدة طعنات نافذة في الصدر. الحُكم بالإعدام على سفاح الإسماعيلية مدمن المخدرات الذي فصل رأس الضحية عن جسدها، وأهل المجني عليه يصرحون للصحافة برغبتهم في إذاعة الإعدام على الهواء وتقديم أهل الجاني الكفن والهجرة من المدينة. شخص مُختل ووقح رُزق برُزم من الأموال تسكنه في كومباوند شهير ولكنه لم يُرزق بذرة احترام للنفس أو الغير ليلتقط صورة لسيدة في بالكونتها تنشر الغسيل ويبلغ عنها، ومختل آخر يقبل بلاغه. بين هذا وذاك، أشباه بني آدمين في صورة صحفيين يتهافتون لأخذ اللقطة من أجل الشير واللايك. أما إذا أردت محتوى ترفيهيًا، فتابع مغنية مشهورة تحلق شعرها زيرو بعد قصة حب عنيفة، وتظهر في برنامج كل ٥ دقائق تصرح عن طليقها بكلام شديد الخصوصية. أو يمكنك أن ترفه عن نفسك أكثر بمتابعة ياسمين عبد العزيز تحكي حكاية التربي الذي اتصل بها بعدما جهز لها المقبرة.
هذه النافذة تقتل كل معاني الإنسانية فينا، وتُخرج أسوأ ما فينا. هذه النافذة تجعلنا نعتاد كل ما هو قبيح ومُظلم.
هذه نافذة مُخيفة وغير آمنة، أريد الابتعاد عن هذه النافذة بقدر الإمكان. أنا مصاب بفوبيا المُرتفعات ودائمًا ما أخشى السقوط من النوافذ.

الجمعة، 10 ديسمبر 2021

إلى جدتي العزيزة، سهير كامل،
ازيك يا نانَّا؟
أكتب إليك في أول عيد ميلاد لكِ في السماء. لم يأتِ أحد من قبل يخبرنا كيف تحتفلون بأعياد الميلاد عندكم، لكن المهم أن ثمة احتفال اليوم أيًّا كانت الطريقة.
أتصور أنك عاملة عزومة كبيرة لكل الحبايب. سهرتي ليلة أمس تفتلين وتخبزين الكعك والبتيفور والبسكويت المميزين بتوعك. قمتي من سريرك اليوم من فجر الله ووقفتي في مطبخك الضيق تحضرين الملوخية والأرانب التي نحب عمايلهم من إيديكي.
تنتهي من عمايل الكعك وطبخ الملوخية والأرانب، ولا تشعرين بالتعب التي كنتي تشعري به في الآونة الأخيرة. هذه المرة، لم تقولي "شكلي هابطل أعمل كحك، مابقتش أقدر"، أنتِ الآن قادرة على صنع الكعك بلا تعب، ولا يؤلمك ذراعك الأيسر الذي ضَعُف منذ أن استأصلتي ثديك بسبب السرطان.
آه صحيح.. هل وصل أبي إلى الحفل أم لم يصل بعد؟ طبعًا استقبلتيه ب"أهلًا يا هشام"، ثم فتحتي معه نقاشًا في السياسة، وانت عارفة يا نانا إنكم مختلفين، لازم كل مرة يعني؟ يمدح أبي في الملوخية والأرانب، تسلم إيدك، معلنًا رغبته في إنهاء النقاش قبل ما تحصل كارثة، ماهو ماحدش يصدق وائل الإبراشي برضه يا نانَّا يا حبيبتي. طبعًا بابا أكل هذه المرة من الأرز والملوخية والأرانب كما شاء، وحليتم بالكعك والبتيفور والبسكويت، دون أي تفكير في الكميات أو خوف على الوزن أو القلب أو الكوليسترول. عظيم.
وأنتِ أيضًا حملتي هذه المرة كل الأواني بلا أوجاع في عظمك الذي كان يؤلمك عندما أصابه المرض الخبيث لما قرر الهجوم عليكِ مرة ثانية. أخبار جميلة.
أتخيلك بعد انتهاء الحفل جالسة على كرسيكي الهزاز تطلبين السوبر ماركت في التليفون الأرضي ليرسل إليكِ الشوكلاتة الداكنة التي تحبين. تتفرجين على برنامجك المفضل "العباقرة"، وتكتبين وراءهم المعلومات التي يقولون في النوتة خاصتك، يا نانا يا حبيبتي.. إيه اللي بتعمليه ده؟ افتحي النت كل المعلومات هناك.
ألَّا صحيح، هل كنتي تشعرين بنا ونحن إلى جوارك بالمنزل أو في مواعيد زيارة العناية المركزة؟ أعلم أنك كنتي متعبة، وأدعو الله أن يفتح لك أبواب الجنة بقدر كل ذرة ألم شعرتي بها.
طيب يا نانا، أنا مضطر أقفل دلوقتي عشان عندي مذاكرة. آه صحيح..
أنا سافرت بعد آخر لقاء بيننا بكام يوم، صليت عليكِ في السيدة نفيسة، تذكرت يوم أن صلينا على أبويا في نفس المكان، أوصلتك إلى بيتك الأخير، ربت على كتف أمي وعانقتها عناقًا طويلًا، أوصلتها المنزل، قبَّلت رأسها ويديها الحنونين، ثم حملت حقائبي، وسافرت.
إلى اللقاء، وتسلم إيدك على الملوخية والأرانب.
علي
May be an image of 2 people and indoor

17