الاثنين، 30 سبتمبر 2013

حينما تموت محظوظاً


التاريخ: الثلاثون من سبتمبر/ أيلول عام ألفين، أي في مثل هذا اليوم الذي أكتب فيه، في ثالث أيام الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
المكان: فلسطين.. تحديداً: قطاع غزة.. وتفصيلاً: شارع صلاح الدين.
ولدٌ يبلغ من العُمر اثنتي عشرة عاماً اسمه "محمد جمال الدُرة"، يحتمي في ظهر أبيه المُحتمي خلف برميل أسمنتي، بعد وقوعهما في معمعة تبادل إطلاق نيران بين جنود الاحتلال الإسرائيلي وقوات الأمن الفلسطينية، يشير الأب بكفه للجنود بوقف اطلاق النار، وفجأة اشتدت النيران وركد الصبي على ساقي أبيه، مُعلماً إيانا باستشهاده برصاص الاحتلال.
مُفزع ومُبكي أن اضطر لقَص حكاية "محمد الدرة" في بداية مقالي حينما أقرر أن أكتب عنه. ثمة أُناس يعيشون معنا في نفس الوطن لم يسمعوا هذا الاسم من قبل أصلاً ولا هذه القصة التي تقشعر لها الأبدان، ربما تصادف أن شاهدوا على الفيس بوك صورة للـ"درة" لا يعلمون من صاحبها، ولم يهتموا بمعرفته أصلاً.
في رأيي أن "محمد الدُرة" محظوظ لأسباب شتى.. ليس فقط لإنه نال شرف الشهادة –هكذا نحتسبه والله حسيبه-، وليس فقط لأنه الآن في جنان خُلد الرحمن..
محظوظ ذلك الصبي لأنه لم يعش على هذا الكوكب أكثر من اثنتي عشرة سنة. ولأنه مات طفل بقلب أبيض، قبل أن تدنسه الحياة كما تفعل في الناس بطبيعتها.
محظوظ "محمد الدرة" لأنه ترك بلاده وذهب إلى الجنة قبل أن يشهد صراعات ونزاعات "فَتح وحماس"، المنشغلان في الصراع على كراسي السلطة بينما يبني المحتل مستوطنات جديدة ويُهجِّر أصحاب الوطن والأرض.
محظوظ ذلك الشهيد لإنه لم يعش إلى اللحظة التي يتولى فيها "محمود عباس" رئاسة فلسطين، ذلك الذي اعترف بالمحتل كـ"دولة"، وتنازل عن حَق العودة.. تنازل حتى عن "صفد – مسقط رأسه". ويواصل الدعس يومياً على دماء الشهداء.
محظوظ ذلك الشهيد لأنه لم يعش أكثر من ذلك بين العرب، وبالتالي لم يشهد أكثر من ذلك خذلاناً ونسياناً للقضية.
محظوظ لإنه لم يشهد اللحظة التي يتاجر فيها فصيل –وصل للحكم يوماً- في مصر بآلامه، فيرد عليه معارضوه بالتشهير بفلسطين وشعبها والدعوة للتخلي عن القضية.. ليست فلسطين أسعد حالاً في أي الوضعين.
الشهيد محظوظ، لإنه لم يستمر في هذا العالم القميء أكثر من ذلك، وسافر إلى عالم آخر.. أفضل.
علي هشام
30 سبتمبر 2013


الثلاثاء، 17 سبتمبر 2013

البقية في حياتهم


تحدق في وجه مذيعة نشرة الأخبار فاتنة الجمال، تصوب نظرك نحو عينيها العسليتين، تنظر لشفتيها المتلامستين ناطقة ميماً مفتوحة، تتباعد الشفتان ناطقة حرف القاف ساكناً، يخرج اللسان لتنطق تاءً مفتوحة، ثم تتباعد الشفتان مرة أُخرى ويلتصق اللسان بالحلق لينطق لاماً: (مَــقْــتَــل..).
تنظر للوجه كله مرة أُخرى.. تتأمله، وتشير في بالك إلى أنك تحب النساء اللواتي يضعن مساحيقاً خفيفة غير واضحة لتُظهر وجههن طبيعياً كما خلقه الخالق.
تخفض صوت التلفاز قليلاً، تشيح بوجهك بعيداً عن شاشته.. بعد أن تستأذن المذيعة بإشارة من يدك في الالتفات لالتقاط هاتفك النقال للرد عليه لتتلقى خبر وفاة أحد أعز أصدقائك المرافقين لك دائماً في المظاهرات والاشتباكات:
"تملأك الحسرة ويتبدد بك الحزن"
-         إيه ؟! بتقول إيه ؟! مات !! ازاي ؟؟ ده حتى مفيش اشتباكات النهارده .....!!
-         مات موتة ربنا.. عادي.
تومئ متفهماً بعد أن يهبط شعورك بالحسرة والأسى إلى المنتصف:
-         ممم.. الله يرحمه. الجنازة امتى؟؟
تذهب إلى صلاة الجنازة، تتذكر صديقك. تدعو له وتذرف دموعاً بحُرقة. وفجأة وانت تكفكف دموعك بالمنديل الورقي.. تشعر بالعار لكونك تبكي على شخص مات حتف أنفه، لم يقتل بالخرطوش أو الرصاص الحَي أو خنقاً بالغاز.
---

"لقد خلقنا الإنسان في كَبَد" – صدق الله العظيم
خُلق الإنسان في كَبَد، تعب ومشقة. لم يشترط –عز وجل- أن يكون من ضمن هذا الكَبَد: السياسة و"قرفها" !
يبدو أن ثمة حياة أُخرى تُعاش على هذا الكوكب غير ما نعيشها نحن.
---
حين تختزل حياتنا ونقاشاتنا في ذلك الاختراع المُسَخَّر لخدمة أطباء الأمراض النفسية والعصبية "السياسة". حين ينسى الأصدقاء أن ثمة أشياء أُخرى تدعو للمخاصمة غير الاختلافات الأيدولوجية. حين تمر كلمة (مقتل) أمام أعيننا مرور الكرام كل يوم في نشرة الأخبار بينما يتغزل الرجال في جمال المذيعة، والنساء في أناقة الـ"شيميز" التي ترتديه. حين ننسى أن ثمة أسباب كثيرة لموت الإنسان غير الدهس والحرق والقنص والخنق بالغاز في عربة الترحيلات. حينما نشعر بالعار عند الالتفات عن السياسة، حتى ولو للحزن على صديق مات، (موتة ربنا)..
علينا أن نعلم، أننا قد متنا قبل الأوان.
عزيزي  القارئ.. اعطني يدك، دعني أربت عليها، ثم...
البقية في حياتهم.
علي هشام
18 سبتمبر 2013

الجمعة، 13 سبتمبر 2013

ثورة أحلى حتة في الفرخة

دعوني أبدأ مقالي متفائلاً، على سبيل (جر الرجل) بلغة التجار الدارجة -باعتبار أنني بائع نصوص طازة-، لكني لا أعدكم بأن أنهيه هكذا، قد تكون نهاية متشائمة.. ربما متفائلة.. أو متشائلة.

الثورات لا تموت.. ببساطة لأنها لا تولد، هي في الدم !
أعتقد أن الإنسان كما تجري في دمه كرات دم حمراء وخلايا بيضاء.. تسري "الثورة" في عروقه، ولكن ذلك بشرط أن يكون لديه دم أصلا !

 ثورة الإنسان -اللي عنده دم- تتجسد في أشياء كثيرة لا حصر لها. مثلا وأبسطها.. عندما كان جالساً مع أبويه وهو صغير على الغداء، هب في يوم مجيد ليلتقط "أحلى حتة في الفرخة"، كاسراً سلطوية الأب الذي يستأثر بها كل يوم.. وحين يتقدم به العمر، يترك المكتب الذي يعمل به، رغم سوء الحالة المادية، متمرداً وثائراً على مديره السئيل -واللي يحصل يحصل-. تكتمل الحكاية في يوم بأن يشارك في مظاهرات حاشدة تسقط رأس نظام الحكم.

لكن عندما تتحدث عن مصر.. فعليك أن تنحي أفكارك وتأملاتك ودراساتك السياسية جانباً.
تأكد أن السياسة لا تعرف سبيلا لأم العجائب. أما عن ما يطلق عليها في مصر "سياسة".. فأعتقد أننا نشير على منطقة في أسفل الظهر تطلق روائح كريهة.

يبدو أن ثورتنا الجميلة تنازع وتصارعم الموت في مستنقع الشر الذي نعيش فيه، والمؤسف أننا لا نأمل في أبعد من أن تنتطق المرحومة الشهادتين قبل الموت. "كان ممكن الثورة تموت موتة أحسن من دي بكتير".

علينا أن ننزل إلى الشارع ونرتب لثورة حقيقية أخرى. حتماً لن تأتي قريبا، المهم أنها -حين تأتي- تعصف بكل من قتل أو غدر أو أفسد.

ثمة أناس شرفاء سينزلون إلى الميادين بعددهم القليل ليعلوا صوت الحق، سيطالبوا بحقوق جميع الشهداء.. القدامى والجدد ومن سوف ينضمون لقائمة المغدورين، مستقبلاً. سيتكلمون وينزلون حين يستقر الآكلون على كل الموائد والأوغاد في مواقعهم التي اعتدنا عليها.. فقط حتى لا يختلط الحابل بالنابل.
13 سبتمبر 2013
علي هشام.