السبت، 12 مارس 2016

عــلاء

(1)
ميدان التحرير
الجمعة، 8 يوليو 2011

ألتقي بعلاء أمام مجمع التحرير، سلامٌ حميم كأننا أصدقاء منذ سنوات، يصحبني من يدي في حفاوة ليقدمني لعائلته الكريمة، مانحا إياي نصيبا من التقدير علَّني أستحق بعضه، أبادلهم السلام فردا فرداً.
ثم نأخذ أنا وعلاء جانبا ليدور بيننا حوار طويل.

(2)
تونس
يوليو 2012

كان الحظ حليفي عندما أقمت أسبوعين كاملين في صُحبته، ويرجع الفضل في ذلك لمعسكرات التعبير الرقمي ومؤسسة “أضف” التي نظمتها.
كنت سعيدا لتواجدي معه، مبهورا بجسارته وشجاعته، ودفعني ذلك دفعا لأن ألتحق في الأسبوع الثاني من المعسكر بمحاضرات البرمجة التي يلقيها علاء، “بالمناسبة قضيت أسبوعي الأول في ورشة لتعلم الرسوم المتحركة”.
استمتعت بحضوره اللافت وطريقة تدريسه، شعرت بالأُلفة الشديدة، لكن –في الواقع- ازداد يقيني أن علاقتي بالبرمجة تشابه كثيرا علاقتي باللغة الصينية أو السواحلية.
كان يقف أمامي عبقري برمجيات، شعلة متقدة من المعرفة والنشاط، ولكن العبد الله كان نموذجا للفشل، لم أفهم شيئا على الإطلاق !
لم يكن مُحَبَّذاً أن يغير الفرد اختياره للمحاضرات التي يحضرها، لضيق الوقت، وحتى يحصل على المادة العلمية كاملة، ولكني لم أفضل أن أضيع أسبوعا ثمينا كهذا هباءً في دراسة شيء لا أمل لي أن أفهم فيه شيئا على الإطلاق.
في اليوم التالي، ونحن نتناول الإفطار، أبلغت علاء بوضعي، وبشعوري بأني “حمار في البرمجة”، وأربأ بك أن تدخل معركة خاسرة من البداية، فالحمار يمكنه القيام بأعمال كثيرة أقل تعقيدا من البرمجة! فهلا سمحتم لي أن أنصرف عن تلك المحاضرات حفاظا عليك وعلى جهازك العصبي في المقام الأول؟
أبلغني أنه مُقَدِّر لما أقول، وسرعان ما أبلغ إدارة المعسكر بأن يسمحوا لي بحضور محاضرات أخرى، فوافقوا.
– نفسك تحضر إيه؟
– نفسي أحضر مسرح.
– هاتحضر مسرح.
……………….
مساء آخر أيام المعسكر، ساعات قليلة ونتجه من “جرجيس” إلى العاصمة تونس في رحلة تستغرق ثمان ساعات تقريباً، ومنها إلى مصر بالطائرة.
أسير حول حمام السباحة، كان الجو بارداً بعض الشيء، وكان النعاس قد بدأ يعرف طريقاً لي، يجري صَوبي علاء وسناء، ويمسكاني من ذراعيَّ ويلقيا بي في قلب حمام السباحة.
تتعالى الضحكات من منظري المُضحك ومن المقلب، يصرخ علاء “يللاااا” ليلحقني كل أفراد المعسكر بما في ذلك “علاء وسناء” في المياه..
لم يتركوني وحيداً.
……………….
أجلس إلى جوار علاء ومنال في الباص، ألعب مع خالد النائم في مهدٍ محمول، أتفرس في ملامح وجهه التي تجمع بين ملامح والديه اللذين أحبهما كثيراً، يلاحظ كلاهما اهتمامي به، ألحظ صورة للشهيد خالد سعيد مُعلقة في مقبض فوق رأس خالد. فأبتسم ابتسامة تليق بما أراه.
– دي صورة الشهيد خالد سعيد.. ما هو خالد متسمي على اسمه!
……………….
مطار قرطاج
كانت طائرة علاء بعدنا بساعات، واكتشفنا أن نقود أغلبنا قد أوشكت على النفاد، لحسن حظي كان متبقيا معي ما يأمن وصولي إلى القاهرة. يهرع علاء إلى أول ماكينة صَرَّاف آلي، ويسحب بعضاً من النقود، يشتري لكل منا أكلا، ويترك ما تبقى من نقود مع أحدنا.
يودعنا:
– خدوا بالكم من نفسكم.

(3)
حفل توقيع مولودي الأدبي الأول “نقل عام”
مكتبة ديوان – الزمالك
5 يونيو 2013

قبل بدء الحفل، تلقيت رسالة نصية على موبايلي من منى سيف “معلش يا علي مش هانقدر نيجي، علاء جاله أمر ضبط وإحضار”.
أرتبك، ويعتريني قلق سخيف.
ساعة مَرَّت، وبينما أكتب الإهداءات للحضور الكرام، أرفع رأسي لأجد  منى تقف في دلال كفراشة زهرية اللون، تلوح لي بالكتاب في الهواء. وعلاء واضعا خالد في حقيبة مُدلاة من كتفيه، ليبدو ككنغر يضع ابنه الوديع في جيبه الأمامي، ماداً لي يده بالكتاب:
– مش هاتمضي لي؟
ثم أردف..
– ماكانش ينفع مافرحش معاك!

(4)
مسجد عمر مكرم – عزاء أبونا أحمد سيف الإسلام
30 أغسطس 2014

على بُعد خطوات من ميدان التحرير.. عشرات البوكسات والشاحنات التي تنقل أفراد الأمن والمساجين متراصة أمام العزاء، ضباط ولواءات وعساكر أمن مركزي، وأصوات “تن تنة” اللاسلكي يتكرر بشكل مستفز. بينما يقف علاء مرتديا الأبيض يتلقى واجب العزاء، قبل أن يودع مرة أخرى في السجن.
عناق طويل وابتسامة، كان هذا نصيبي من علاء، قبل أن تزداد الابتسامة اتساعاً وهو يقول:
– كبرت يا وَلَد!

(5)
23 فبراير 2015

لم أنم ليلتها في موعدي، كُنت مُترقبا مُتأهبا لجلسة النطق بالحكم في قضية “مجلس الشورى”، ولكن هجم عليَّ النوم في ساعات الصباح الأولى، فاستسلمت له على الفور، وغُصت في نوم عميق وأنا في مكاني.
انقطع نومي فجأة إثر كابوس سخيف، كُنت أهرول ناحية علاء عبد الفتاح، وأهتف له “سامحني”، فيرمقني بابتسامة اعتدتها منه، ويبتعد عن مرمى بصري، بعيدا.. جداً.
أتفحص موبايلي قبل أن أستأنف نومي، لأجد أن الكابوس قد استحال حقيقة.
“الحكم بسجن الناشط المصري علاء عبد الفتاح خمس سنوات”.
أقوم من سريري مفزوعاً، بعد تبخر النوم، أسير في اتجاهات غير منتظمة في البيت كأني أبحث عن شيء ما لا أعرفه، أشبك يديَّ وأفكها، أضعهما فوق رأسي ثم أنزلهما، أدفع باب غرفتي وأجلس على مكتبي، أخرج ورقة وأمسك قلما، ثم سرعان ما ألقي القلم من يدي، وأنخرط في بكاء مرير.

(6)
“ولنا أحلامنا الصغرى، كأن
نصحو من النوم مُعافين من الخيبة
لم نحلم بأشياء عصية
نحن أحياء وباقون..
وللحلم بقية”. – محمود درويش.

(7)
لدينا حياة جديرة بأن تُعاش، نمتلك ما نحكيه لأولادنا غير قصص مُحاربتنا للذئاب.
حلمنا حلماً لا يتناسب مع قُبح واقعكم..
فاتركونا وشأننا.

هناك 5 تعليقات: