الخميس، 3 نوفمبر 2022

الجنة

أنتَ لم تحك لي عن ذكرياتك أيام المدرسة، ولكني أراهنك أنك مررت بهذه التجربة لو كنت من أبناء جيلي. في حمام المدرسة كانوا زملائي واقفين أمام المرآة ممسكين بزجاجة كوكاكولا يشيرون على انعكاسها في المرآة، وجدوا عبارة (لا محمد لا مكة) مكتوبة على شعارها. ألقيت عليهم نظرة، ثم دخلت كابينة الحمام. كان بعضهم يستغفر الله مما رأى، والآخر كان يسب الشركة بما تيسر. خرجوا من الحمام مسرعين لأن حرام أن يُذكَر اسم الله أو النبي بالحمام، واتفقوا جميعًا على مقاطعة الشركة وشرب البيبسي بدلًا منها. كانت رواية هاوية بالنسبة لي، يعني ماذا يفيد شركة مياهًا غازية من أن تسب الله ونبيه؟ ثم إن -ومن منظور نفعي بَحت- هذا لن يفيد الشركة إطلاقًا، فسوف تخسر المستهلكين المسلمين إلى الأبد. على أي الأحوال، كنت الوحيد الذي يشرب الكوكاكولا في فصلنا منذ ذلك الحين.
مال عليَّ زميلي وهو يشير على أحد أصدقائي وكأنما يحذرني منه: "عارف الكلمة اللي على التيشيرت بتاعه دي معناها إيه؟ GAP ، يعني gay and proud -شاذ وأفتخر-". لم أُبد اندهاشًا، تركته ومشيت. لم يكن حينها الكلام عن الهوية الجنسية منتشرًا، لكن الرواية ضعيفة، يعني أنا أخلص من كوكاكولا يطلعلي GAP؟
أتذكر حينما كنت مع أبي على طريق مصر الإسماعيلية الصحراوي، وكان ثمة أُناس يتكالبون على شجرة يقبلونها ويتمسحون فيها. كانت جذع الشجرة مكتوب عليه لفظ الجلالة، واسم النبي محمد. عندما وصلنا البيت، فتحنا التلفزيون على برنامج العاشرة مساءً، وكان أحد علماء الشريعة ضيفًا يوصي بقطع هذه الشجرة لأنها فتنة. تمر السنين ويتطور الإنترنت وتظهر مواقع التواصل الاجتماعي، فاعتدت أن أرى مثل هذه الأشياء، أشجارًا تحمل اسم النبي محمد وأخرى عليها صورة السيد المسيح، تفاح عليه آيات، جوافة عليها حديث، بطيخ، شمام، كمثرى، برتقال، يوسفي. ولا أدري لماذا تظهر هذه المعجزات على الفواكه بالذات، صحيح إن سيدنا آدم أكل التفاحة، ولكن هذا لا يعني أن نأخذ الفتاوى من أفواه الفكهانية.
قرأت منشورين على الفيس بوك اليوم عن الذكاء الاصطناعي، كان واحدًا منهما يخبرنا عن توقع بأن نهائي كأس العالم ٢٠٢٢ سيكون بين قطر والسعودية، وأنا حزين لأن الذكاء الاصطناعي باع ضميره بأموال البترول والنفط. أما المنشور الثاني فبه صور مُتَخَيَّلة للجنة عندما أدخلوا للبرنامج أوصافها. كانت الصور ألوانها ذهبية فاقعة، لم تعجبني بصراحة، ولكني في نفس الوقت نفسي أروح الجنة، فما العمل؟
وعد الله الفائزين بسعادة في الجنة، وأظن أن السعادة شيء نسبي، فما يُسعدك ربما يعكنن عليا، وما يبسطني ربما يضايقك، فكيف تكون جناننا واحدة؟ سمعت مرة أحد الشيوخ وهو يتحدث عن حلاوة الجنة، وأن صفًا مُكون من ١٠٠ امرأة عذراء سوف ينتظر كل رجل، يمارس معهن واحدة تلو الأخرى الجنس. ربما يكن هذا الكلام لطيفًا بالنسبة لجمهور هذا الشيخ، لكنه مُنفرًا بالنسبة لي بصراحة. عفوًا، أنا لست مهتمًا بممارسة الجنس مع عشرات العذراوات اللاتي لا أعرفهن، لو كان الأمر هكذا، فأنا أعفيهن من هذا الأمر.
رزقك الله بعقل يقرأ ويبحث ويفكر ويخترع الأشياء الصالحة، والأشياء الطالحة التي تدمر الكوكب أيضًا، ثم أخبرك بأن الجنة بها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ثم تنتطر من ذكائك الاصطناعي أن يُريك الجنة؟
هذبتني الدنيا وهذبت طموحاتي، ولم أعد أرغب بأشياء كثيرة. يعني لم أعد أحلم بسيارة مرسيدس مثلًا، لست مستعدًا أن تطير الكارتيرة في مطب أو يصدمها ميكروباص يقوده واحد ضارب استروكس أو حبوب صراصير. هذَّب الدولار أحلامي أيضًا، كنت أحلم منذ عامين بفئة عالية من التويوتا ثم انتقلت للفيات تيبو، بعدها اتجهت للبيجو ٣٠١ ثم سرعان ما انتقلت للنيسان صني ثم السوزوكي، حتى وصلت أحلامي الآن للكاريتَّة.
لم يَنهَنا الله على أن نعبده "خوفًا وطمعًا"، من كرمه وفضله علينا أن سمح لنا بأن نطمع كما نشاء في كرمه ولُطفه، وأنا شخصيًا طامع في أن يعاملني الله برحمته لا بعدله. وكما يقول المثل المصري الدارج "إن سرقت اسرق جمل"، لذلك فأنا أطمع في أشياء كثيرة إذا رُزقت بالجنة، ليس من ضمنها إطلاقًا العذراوات.
لو كنت سألتني منذ عدة أعوام عن الجنة، ربما كنت قد وصفت لك الحديقة التي كنت أتمشى فيها منذ يومين بلندن. لكن يومها كنت جلست على دكة خشبية بالحديقة أتذكر جنة الله على الأرض التي يحول بيني وبينها الغُربة: حضن أمي وأخي. كنت أتذكر جنة أخرى كنت فيها يومًا: ضمة أبي لي الذي يحول بيني وبينه الموت. أما لو سألتني عن الجنة في المطلق عندي، فلا يهم أن تكون مثل هذه الحديقة، يكفينا فقط هذه الدكة الخشبية البسيطة، نجلس عليها أبي وأمي وأخي وأنا مرة أخرى.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق