الاثنين، 23 أكتوبر 2023

ليطمئن قلبي…

حق أصيل لكل مؤمن ومُحِب لربنا إنه يسأل عن وجوده، خصوصًا في الأوقات الصعبة. مزيج جميل ومُقلق بين العجز، والخيبة، والرجاء، والوجع، والأمل، والخوف، واليقين في قدرته على تغيير الحال المايل بكلمة كُن.. فيكون.


أعتقد إن هذا الشك المؤلم الجميل كثيرًا ما يأتي من شدة الإيمان بالله سبحانه وتعالى، والسَخَط على الظرف الصعب القاسي، والاعتراف بإنه خرج من حيز قدرة البشر الضعفاء على التغيير، ولم يبقى الأمل إلا في الإنقاذ الإلهي. ماهو طالما العالم مالوش كبير، يبقى كبيره مين؟ ربنا.. انقذنا يا الله.  


مع الأسف الشديد اتحرمنا من حقنا الأصيل والبديهي في السؤال، والشك، مع إن سيدنا إبراهيم عملها قبلنا وقال لربنا (ليطمئن قلبي). “رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي” - صدق الله العظيم.


يعني سيدنا إبراهيم عليه السلام قال لربنا أرني كيف تحيي الموتى (ليطمئن قلبه)، وأنا العبد الفقير لله المغلوب على أمره في ٢٠٢٣، ماليش الحق اقول لربنا انقذنا من الظلم (ليطمئن قلبي)؟ ده أنا مش طمعان اشوف الأموات يبقوا إحياء ليطمئن قلبي، أنا بس عايز المعجزة اللي تخلي الأحياء مايبقوش موتى بالظلم والقهر ده.. أنا مش عايز اشوف أمهات مكلومة أو في الكفن.. ولا أطفال مقهورة أو في الكفن.. مش عايز اشوف أكفان صغيرة.. ولا أكفان كبيرة.. ليطمئن قلبي.. ممكن؟

لو ماغضبتش من الدنيا دلوقتي، هاتغضب امتى؟ لو ماخوفتش دلوقتي، حتخاف امتى؟ ماشكتش دلوقتي، حتشُك امتى؟ لو مالجأتش لربنا دلوقتي وآمنت بإن (وما النصر من إلا من عند الله) -سورة الأنفال-، وقبلها على طول "لتطمئن به قلوبكم".. برضه. (وما جعله الله إلا بُشرى ولتطمئن به قلوبكم.. وما النصر إلا من عند الله) - صدق الله العظيم. 


ربنا مش هايطمننا إلا لو خوفنا، واحنا مش هنخاف إلا لو ماشكيناش في احتمالية النجاة، والشك، يؤدي للسؤال، يؤتيك الله الردود من حيث لا تدري.. ليطمئن قلبك. 


كم الظلم والقهر في العالم حاليًا أكبر من قدرتي على الاستيعاب.. فين المعجزات؟ يعني إيه شايفين الظلم بيحصل عيني عينك قدامنا بمباركة العالم أجمع.. فين المعجزات؟ من بداية الحرب وأنا مبسألش ده بالكلام، بس بابُص للسما وانا متأكد إن ربنا عارف سؤالي.. وأكيد أنا مش الوحيد اللي بيسأل نفس السؤال.


ثم.. شكيت في تفسيري للتدخل الإلهي، وللمعجزة التي أنتظرها.. هو أنا مستني إيه؟ 


شعب مطحون بقاله ١٠٠ سنة، من كُتر البهدلة واعتيادهم التكفين والتغسيل والدفن بقوا يخلفوا كتير عشان اللي بيروح أكتر. الاستيطان فضل يزنقهم يزنقهم يزنقهم لغاية ما حشرهم في رُكناية اسمها (غزة)، مساحة ٣٦٥ كيلومتر مربع (يعني قد مدينة نصر)، عايش فيها فوق ال ٢ مليون نسمة، يعني أكبر مُعدل تكدس في العالم. بلد مفيهاش مطار -اتقصف-، محاصرة من كل النواحي، مبتدخلش نسمة هوا غير بموافقة المُحتل. الشريط الصغير ده، حارب إسرائيل المدعومة من العالم أجمع، في ٢٠٠٨ و ٢٠٠٩ و ٢٠١٢ و ٢٠١٤ ، و ٢٠٢١ ، و ٢٠٢٢ ، ودلوقتي في ٢٠٢٣.. وهي المرة الأشرس. ده غير المناوشات والخسائر الموجودة دائمًا لغاية ما اعتادوها.


بلد قايمة على مقاومة غير نظامية، بتواجه جيوش كاملة بطيارات ودبابات، بشيء أشبه بال(بومب والصواريخ). وحتى بالإمكانيات المعدومة دي، بتواجه نظام القبة الحديدية اللي بيدعي المحتل إنه أقوى نظا حماية للمجال الجوي في العالم من أي هجوم. ومع ذلك.. البلد دي لسة موجودة، وصامدة، وأهلها لسة موجودين.. ماخلصوش.


أنا مش هاقول لك ازاي قاموا بعد كل حرب من اللي فاتوا وبنوا بلدهم تاني، خصوصًا إن في كل مرة الاستهداف بيبقى للبنية التحتية بالذات، وده لإن العدو جبان.. شديد الجُبن والخِسَّة. أنا هسأل بس على مدار الاسبوعين اللي فاتوا دول، هما ازاي لسة موجودين؟ الضرب مابيوقفش لحظة على الهوا، مفيش مياه ولا أكل ولا كهرباء ولا بنزين ولا أدوية، فوق ٧٠٪ من سكان البلد بيوتهم راحت، فوق ال٤٥٠٠ بني آدم راحوا حتى الآن (مع الأسف والألم في ازدياد)، وفوق ال ١٣ ألف مُصاب.. البلد بقت ركام.. والعالم كله موافق وراضي وبيسقف.. وبيمول كمان.. والداعمين اللي زيي وزي حضراتكم أقصى ما نقدر نعمله هو إننا نتكلم عنهم في العلن.. ونعيط في السر. 

البلد دي ازاي موجودة لغاية دلوقتي؟ وازاي بتطلع لها شمس كل يوم؟ وازاي بييجي عليها بكرة؟ ازاي بيتحملوا كل الخذلان والظلم ده في رضا، وقوة وشموخ في نفس الوقت؟


البلد دي وأهلها هما المُعجزة اللي خلقها الله.. وكفى بهما مُعجزة.

المُعجزة أتت في فلسطين، المعجزة غزة.. لكن احنا اللي محتاجين معجزة عشان نقدر نوقف عياط.







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق