الثلاثاء، 8 أكتوبر 2013

مصر.. ع القهوة

جلست مع (مصر) على أحد مقاهي وسط البلد، وعندما سألتها "تشربي إيه؟"، أجابت "قهوة سادة وخلاص". أقلقتني كلمتها الأخيرة، لكنها ما إن لاحظت ملامح وجهي حتى فَسَّرت الكلمة، قالت إنها كانت تشربها "زيادة" زمان، لكنها باتت تشربها –سادة- لأن كُل شيء "مَسَّخ". طلبت مصر فنجانين بينما اكتفيت أنا بواحد.
أثناء انتظارنا المشروب.. قالت لي –مصر- أنها أدمنت القهوة هذه الأيام، فهي تحاول أن تتغلب بها على الاكتئاب الذي صار يجعلها تميل إلى النوم الفجائي بدون مقدمات، كما أخبرتني بأن عُمرها ما كانت تصدر غطيطاً وهي نائمة، الآن باتت تشخر كثيراً.
عندما وصلت القهوة، أخذت رشفة من الفنجان مصدرة صوتاً.. وأثناء كلامنا عن الدنيا بشكل عام، أبدت لي –مصر- نفورها من الرسوم الكاريكاتورية التي تملأ الصحف دائماً التي تجسدها في شخصية امرأة تبكي مرتدية عباءة بيضاء وخماراً فوق رأسها بألوان العلم الثلاث "الأحمر والأسود والأبيض" بينما يجلس بجانبها رجل بزي عسكري وآخر شرطي وبجانبهما شيخ وقسيس يكفكفون لها دموعها.. أبدت انزعاجها الشديد من الفكرة التي باتت مكررة ومبتذلة ومهروسة وماسخة زي القهوة السادة اللي بنشربها –كما قالت-. وأتمت كلامها: وبعدين.. إيه السهوكة دي ؟
وبالمناسبة.. قالت لي إنها مَلَّت من أغلب من يعيشون على هذه الأرض، وأنها قاطعت محطات التليفيزيون والجرائد.
أخذت رشفة أٌخرى من القهوة.. وضعت فنجانها، وقالت بوجه مكفهر: دي الأخبار بقت مقرفة ومكررة بشكل ممل يا أخي.
وقالت لي –مصر- إنها منعزلة هذه الأيام، مستمتعة بعزلتها. تقضي وقتها بين القراءة لتوفيق الحكيم وصلاح جاهين، وسماع الشيخ إمام وسيد درويش.. ناس من الزمن النضيف –مصر قالت لي كده-.
تنهدَتْ.. ثم سألتني "وانت عامل إيه ؟"، فأطلقت زفيراً وأخبرتها بأن لا داعي لهذا السؤال المحرج في هذه الأيام.
خَيَّم الصمت على النقاش لثوان.. فأطلقت مصر آهة باغتتني. ظننتها ستقول شيئاً مهماً، لكنها تابعت: آآآه.. القهوة دي صايصة قوي. ثم ضَحكَتْ بسخرية مريرة.. فضحكتُ أنا بدوري.
وعندما سألتها عن مُرشحها الذي ستنتخبه في الانتخابات الرئاسية القادمة، أطلقت –مصر- ضحكة رقيعة جلجلت في القهوة، ثم أسكتتني بإشارة من يدها، متمتة: ضحكتني وانا ماليش نفس، الله يخَيِّبَك.
وبمناسبة أنها أخبرتني بأنها تسمع الشيخ إمام في هذه الأيام، سألتها: "يا مصر.. لسة عددنا كتير؟".. فأجابت: "يعني انت سبت الأُغنية كلها ومسكت في دي؟".. فأخبرتها بأنني مش فاهم. فقالت: "أحسن برضه".
كما أخبرتني –مصر- برغبتها في الهجرة خارج البلاد، مبررة ذلك بأنها عايزة تسيب لنا كلنا البلد وتمشي. وكانت إجابتي بأن كلح وجهي وأطلقت بسملات وحوقلات متتابعة، واستفهمت: "حتى انت ؟ تهاجري برا مصر وتسيبي لنا البلد ازاي ؟ انت مصر!" فأشاحت بوجهها بعيداً متمتة بنبرة لا تخلو من تهكم: "مش قلتلك مانتاش فاهم أي حاجة.. اسكت بقى واشرب القهوة اللي زي وشك دي".
وعندما سألت مصر عن مانعها من الهجرة، أجابت مبررة: "مشاكل مادية مصيرها تتحل" !
يربت "عنبة" –القهوجي- بيده على كتفي، مردداً:
-          أستاذ علي .. أستاذ علي .. انت بتكلم نفسك ؟؟
اعتلدت في جلستي.. فَرَكْتُ عَيْنَيَّ،  فلم أجد أحداً يجلس أمامي.
لم أعرف حينها إذا كنت سأُحاسب على فنجان واحد أم ثلاثة.

علي هشام
نُشِرَت في "الموجز"

الاثنين، 30 سبتمبر 2013

حينما تموت محظوظاً


التاريخ: الثلاثون من سبتمبر/ أيلول عام ألفين، أي في مثل هذا اليوم الذي أكتب فيه، في ثالث أيام الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
المكان: فلسطين.. تحديداً: قطاع غزة.. وتفصيلاً: شارع صلاح الدين.
ولدٌ يبلغ من العُمر اثنتي عشرة عاماً اسمه "محمد جمال الدُرة"، يحتمي في ظهر أبيه المُحتمي خلف برميل أسمنتي، بعد وقوعهما في معمعة تبادل إطلاق نيران بين جنود الاحتلال الإسرائيلي وقوات الأمن الفلسطينية، يشير الأب بكفه للجنود بوقف اطلاق النار، وفجأة اشتدت النيران وركد الصبي على ساقي أبيه، مُعلماً إيانا باستشهاده برصاص الاحتلال.
مُفزع ومُبكي أن اضطر لقَص حكاية "محمد الدرة" في بداية مقالي حينما أقرر أن أكتب عنه. ثمة أُناس يعيشون معنا في نفس الوطن لم يسمعوا هذا الاسم من قبل أصلاً ولا هذه القصة التي تقشعر لها الأبدان، ربما تصادف أن شاهدوا على الفيس بوك صورة للـ"درة" لا يعلمون من صاحبها، ولم يهتموا بمعرفته أصلاً.
في رأيي أن "محمد الدُرة" محظوظ لأسباب شتى.. ليس فقط لإنه نال شرف الشهادة –هكذا نحتسبه والله حسيبه-، وليس فقط لأنه الآن في جنان خُلد الرحمن..
محظوظ ذلك الصبي لأنه لم يعش على هذا الكوكب أكثر من اثنتي عشرة سنة. ولأنه مات طفل بقلب أبيض، قبل أن تدنسه الحياة كما تفعل في الناس بطبيعتها.
محظوظ "محمد الدرة" لأنه ترك بلاده وذهب إلى الجنة قبل أن يشهد صراعات ونزاعات "فَتح وحماس"، المنشغلان في الصراع على كراسي السلطة بينما يبني المحتل مستوطنات جديدة ويُهجِّر أصحاب الوطن والأرض.
محظوظ ذلك الشهيد لإنه لم يعش إلى اللحظة التي يتولى فيها "محمود عباس" رئاسة فلسطين، ذلك الذي اعترف بالمحتل كـ"دولة"، وتنازل عن حَق العودة.. تنازل حتى عن "صفد – مسقط رأسه". ويواصل الدعس يومياً على دماء الشهداء.
محظوظ ذلك الشهيد لأنه لم يعش أكثر من ذلك بين العرب، وبالتالي لم يشهد أكثر من ذلك خذلاناً ونسياناً للقضية.
محظوظ لإنه لم يشهد اللحظة التي يتاجر فيها فصيل –وصل للحكم يوماً- في مصر بآلامه، فيرد عليه معارضوه بالتشهير بفلسطين وشعبها والدعوة للتخلي عن القضية.. ليست فلسطين أسعد حالاً في أي الوضعين.
الشهيد محظوظ، لإنه لم يستمر في هذا العالم القميء أكثر من ذلك، وسافر إلى عالم آخر.. أفضل.
علي هشام
30 سبتمبر 2013


الثلاثاء، 17 سبتمبر 2013

البقية في حياتهم


تحدق في وجه مذيعة نشرة الأخبار فاتنة الجمال، تصوب نظرك نحو عينيها العسليتين، تنظر لشفتيها المتلامستين ناطقة ميماً مفتوحة، تتباعد الشفتان ناطقة حرف القاف ساكناً، يخرج اللسان لتنطق تاءً مفتوحة، ثم تتباعد الشفتان مرة أُخرى ويلتصق اللسان بالحلق لينطق لاماً: (مَــقْــتَــل..).
تنظر للوجه كله مرة أُخرى.. تتأمله، وتشير في بالك إلى أنك تحب النساء اللواتي يضعن مساحيقاً خفيفة غير واضحة لتُظهر وجههن طبيعياً كما خلقه الخالق.
تخفض صوت التلفاز قليلاً، تشيح بوجهك بعيداً عن شاشته.. بعد أن تستأذن المذيعة بإشارة من يدك في الالتفات لالتقاط هاتفك النقال للرد عليه لتتلقى خبر وفاة أحد أعز أصدقائك المرافقين لك دائماً في المظاهرات والاشتباكات:
"تملأك الحسرة ويتبدد بك الحزن"
-         إيه ؟! بتقول إيه ؟! مات !! ازاي ؟؟ ده حتى مفيش اشتباكات النهارده .....!!
-         مات موتة ربنا.. عادي.
تومئ متفهماً بعد أن يهبط شعورك بالحسرة والأسى إلى المنتصف:
-         ممم.. الله يرحمه. الجنازة امتى؟؟
تذهب إلى صلاة الجنازة، تتذكر صديقك. تدعو له وتذرف دموعاً بحُرقة. وفجأة وانت تكفكف دموعك بالمنديل الورقي.. تشعر بالعار لكونك تبكي على شخص مات حتف أنفه، لم يقتل بالخرطوش أو الرصاص الحَي أو خنقاً بالغاز.
---

"لقد خلقنا الإنسان في كَبَد" – صدق الله العظيم
خُلق الإنسان في كَبَد، تعب ومشقة. لم يشترط –عز وجل- أن يكون من ضمن هذا الكَبَد: السياسة و"قرفها" !
يبدو أن ثمة حياة أُخرى تُعاش على هذا الكوكب غير ما نعيشها نحن.
---
حين تختزل حياتنا ونقاشاتنا في ذلك الاختراع المُسَخَّر لخدمة أطباء الأمراض النفسية والعصبية "السياسة". حين ينسى الأصدقاء أن ثمة أشياء أُخرى تدعو للمخاصمة غير الاختلافات الأيدولوجية. حين تمر كلمة (مقتل) أمام أعيننا مرور الكرام كل يوم في نشرة الأخبار بينما يتغزل الرجال في جمال المذيعة، والنساء في أناقة الـ"شيميز" التي ترتديه. حين ننسى أن ثمة أسباب كثيرة لموت الإنسان غير الدهس والحرق والقنص والخنق بالغاز في عربة الترحيلات. حينما نشعر بالعار عند الالتفات عن السياسة، حتى ولو للحزن على صديق مات، (موتة ربنا)..
علينا أن نعلم، أننا قد متنا قبل الأوان.
عزيزي  القارئ.. اعطني يدك، دعني أربت عليها، ثم...
البقية في حياتهم.
علي هشام
18 سبتمبر 2013

الجمعة، 13 سبتمبر 2013

ثورة أحلى حتة في الفرخة

دعوني أبدأ مقالي متفائلاً، على سبيل (جر الرجل) بلغة التجار الدارجة -باعتبار أنني بائع نصوص طازة-، لكني لا أعدكم بأن أنهيه هكذا، قد تكون نهاية متشائمة.. ربما متفائلة.. أو متشائلة.

الثورات لا تموت.. ببساطة لأنها لا تولد، هي في الدم !
أعتقد أن الإنسان كما تجري في دمه كرات دم حمراء وخلايا بيضاء.. تسري "الثورة" في عروقه، ولكن ذلك بشرط أن يكون لديه دم أصلا !

 ثورة الإنسان -اللي عنده دم- تتجسد في أشياء كثيرة لا حصر لها. مثلا وأبسطها.. عندما كان جالساً مع أبويه وهو صغير على الغداء، هب في يوم مجيد ليلتقط "أحلى حتة في الفرخة"، كاسراً سلطوية الأب الذي يستأثر بها كل يوم.. وحين يتقدم به العمر، يترك المكتب الذي يعمل به، رغم سوء الحالة المادية، متمرداً وثائراً على مديره السئيل -واللي يحصل يحصل-. تكتمل الحكاية في يوم بأن يشارك في مظاهرات حاشدة تسقط رأس نظام الحكم.

لكن عندما تتحدث عن مصر.. فعليك أن تنحي أفكارك وتأملاتك ودراساتك السياسية جانباً.
تأكد أن السياسة لا تعرف سبيلا لأم العجائب. أما عن ما يطلق عليها في مصر "سياسة".. فأعتقد أننا نشير على منطقة في أسفل الظهر تطلق روائح كريهة.

يبدو أن ثورتنا الجميلة تنازع وتصارعم الموت في مستنقع الشر الذي نعيش فيه، والمؤسف أننا لا نأمل في أبعد من أن تنتطق المرحومة الشهادتين قبل الموت. "كان ممكن الثورة تموت موتة أحسن من دي بكتير".

علينا أن ننزل إلى الشارع ونرتب لثورة حقيقية أخرى. حتماً لن تأتي قريبا، المهم أنها -حين تأتي- تعصف بكل من قتل أو غدر أو أفسد.

ثمة أناس شرفاء سينزلون إلى الميادين بعددهم القليل ليعلوا صوت الحق، سيطالبوا بحقوق جميع الشهداء.. القدامى والجدد ومن سوف ينضمون لقائمة المغدورين، مستقبلاً. سيتكلمون وينزلون حين يستقر الآكلون على كل الموائد والأوغاد في مواقعهم التي اعتدنا عليها.. فقط حتى لا يختلط الحابل بالنابل.
13 سبتمبر 2013
علي هشام.


الثلاثاء، 20 أغسطس 2013

أصل الإنسان – من وحي الواقع المهبب


سواء اتفقنا أو اختلفنا مع ذلك، علينا جميعاً أن نعترف بأن الدولة الآن في أشرس حالاتها. أعتقد أننا لم نشهدها كذلك منذ عقود.
المتفق مع هذا يبرهن موقفه بأن الدولة تُجابه الآن حفنة من الإرهابيين ولا يجوز التعامل معهم إلا بقبضة من حديد، أما عن من يموتون برصاصة طائشة عن طريق الخطأ.. فيا سيدي "لو كويس هيدخل الجنة، لو وحش هيدخل النار، واهو استريح من الدنيا وقرفها".
أما قيادات الإخوان، الذين لم يتبق منهم سوى "حسن البنا – له من الله ما يستحقه" لم يعتقل. فيقولون أن الدولة ديكتاتورية ومُجرمة ومتوحشة ! مع إننا، وهم أيضاً، نعلم جيداً أنهم ليس لديهم أدنى مُشكلة في ممارسة الديكتاتورية والإجرام والتوحش، كما تمارسه السُلطة الحالية، إذا كان ذلك يخدم مصالحهم.
نتيجة لجميع ما سبق.. نتأكد أن الإنسان أصله كائن "مبرراتي ملَزَّق" يشبه في تكوينه البدني: ممدوح فرج، وفي تكوينه الذهني: علاء صادق. يتغدى على الفول السوداني ويقضي حاجته أمام كاميرات الإعلام حيثما وجدت، يقتل فراغه بممارسة "التسلق".
---
-          إخواني: إذا عاد مرسي سوف نضع الـ"تيييت" في "تييييت" فلان.. ونُجلس فُلان على الـ"تييييت".. أما عِلان هذا، فسوف نضع الـ"تيييت" في صرصور أذنه.. وترتان سنكتفي بإجلاسه نصف ساعة مع "وجدي غُنيم" في غرفة مغلقة بالضبة والمُفتاح.

يتوعد الإخواني كل هؤلاء بعد أن تنتهي المعركة بانتصاره –كما يتوقع-، بينما يُمارَس ضده الآن ما يتوعد هو به هؤلاء، وهو مش واخد باله.
مما يدل على أن الإنسان أصله كائن سادي متوحش يُشبه "خالد عبد الله" وفي نفس درجة ذكائه.
---
يصفق أحدهم في مرح لقوات الأمن على غرار قتلهم لـ 36 مُتهماً أعزلاً في عربة الترحيلات.يُهلل آخر ويكبر لبعض الناس المجهولين على اغتيالهم لـ24 مُجنداً ليس لهم ذنباً في أي شيء من الأحداث الجارية.
مما يؤكد.. أن الدم أصبح في كل موضع في بلادنا، عَدا العُروق.
الناس باتوا بُلا إنسانية، وأصبحنا نعيش في "مزبلة" كبيرة..
أخشى أن يكون أصلنا  كائناً عجيب الأطوار، يجري في عروقه سائل أحمر، يبدو أنه "صلصة".
علي هشام
20 أغسطس 2013


الاثنين، 19 أغسطس 2013

الناس اللي متاخدين في الرجلين

(1)
سألني صديقي القابع في رابعة العدوية، حينما كان بها اعتصاماً لم يفض ولم يقَم على أثره بحور من الدم، مدللاً على صحة رأيه:
هل من الممكن أن يلتقي فريقان كلاهما على باطل ؟؟
فقلت له نعم، في حالتين، عندما يكون الصراع بين عاهرة وقواد. والحالة الأُخرى، وهي لسبب شخصي أصله أنني "أهلاوي"، حينما يلاعب الزمالك الإسماعيلي!
قال لي: المثال ليس دقيقاًً، ولكن، ماذا إذا بخس القواد حق العاهرة ؟ هُنا هي مظلومة. بعيداً عن حُكم الشرع ومعتقداتي الشخصية.
تذكرت حينها الإعلان الشهير "انت اللي قُلت النيل مش انا". وقُلت له: هذه خلافات عائلية بينهما، ولا يشرفني أن أقف في صف أي منهما "العاهرة والقواد".
فأجاب: وهل يشرفني أنا أن أقف في صف أي منهما؟
تذكرت حينها الإعلان الذي ذكرته سابقاً مرة أُخرى، وأجبته مؤكداً أن الإجابة لديه هو وليست عندي.
(2)
اتُّهِم الثوار سابقاً ولازالوا، بأنهم "قلة مندسة"، واستحال هذا الاتهام العجيب سُبة. وأنا صراحة لا أجد فيها ما يعيب. فهل العيب في كون المشار إليهم قلة ؟ أحيلكم لسيدنا علي بن أبي طالب حين قال "لا تستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه". أما إذا كانت المشكلة في الاندساس، بعيداً عن الكلام عن تمويل أجنبي واندساس خارجي وهذا الطبل الأجوف، هل يشرف أحد أن ينتمي إلى هذا العَفَن ؟؟  
فالمجد كُل المجد، لتلك القِلة الحميدة المندسة في هذا الورم السرطاني الهائل.
المجد لهؤلاء القِلة الذين يرفضون المساس بالعُزَّل من مؤيدي مُرسي، وكذلك يرفضون المساس بجُندي الجيش أو الشرطة الفقير المزجوج به في هذا الصراع رُغماً عنه، فقط لأن ميعاد تجنيده قد حان. المجد للمؤمنين بأن الحل السياسي  هو الحل، وأن الحل الأمني لن يصل بنا إلى بر الأمان، بل سيسقطنا جميعاً إلى الهاوية.. إذا لم نكن قد سقطنا فيها بالفعل.  المجد لمن لم يفرق صكوك غفران على من قتل سابقاً، أو خان. المجد لمن يقف ضد القبض العشوائي الذي تمارسه السُلطة اليوم، قبل أن يتذكر موقفه المُخزي غداً وهو في عربة الترحيلات بالصدفة. وكذلك القتل. المجد لمن ينتصر لحُرمة الدم.. المُجد لمن يقف خاشعاً أمام رائحته. المجد لمن لم ينس شهداء المعارك السابقة، ولن ينسي شهداء اليوم.
المجد لغرباء هذه الأيام، فطوبى لهم.
اللهم ثَبِّتنا على الإنسانية.
علي هشام
19 أغسطس 2013



الخميس، 18 يوليو 2013

من مصر إلى فلسطين.. يا قلب لا تحزن

(1)
بعد أن تردد آذان الصلاة في أُذن وليدك اليمنى بعد خروجه للدنيا، والإقامة في اليسري. أو ترسم صليباً في الهواء أمام وجهه "إذا كنت مسيحياً". أو بعد أن تزغرد في وجهه "إذا كُنت ملحداً". عليك أن تتذكر عدة عبارات هامة جداً وترددها  له في آذنيه الصغيرتين:
فلسطين عربية..
إسرائيل هي العدو..
فلسطين ليست "حماس"..
"حماس" ليست كُل فلسطين..
وفي السبوع، لا مانع من ترديد بعض الشعارات الثورية التي تؤكد على المبادئ الثابتة التي لا يمكن أن تتبدل، بدلاً من (اسمع كلام امك.. متسمعش كلام ابوك)، حيث أن الأطفال "والكبار" يأخذونها من قصيرها ولا يسمعون كلام كليهما. وللتأكيد على ما رددته في آذانه يوم ولادته، نستبدل أُغنية "حلقاتك برجالاتك" بترديد: "فلسطين مش هي حماس..حماس مش كل فلسطين" على أصوات الطرق على الهون بيده.

(2)
منذ شهور، أيام حُكم الإخوان، ركبت مع سائق تاكسي، قال لي: "يا باشا عارف الكهرباء بتقطع علينا ليه ؟.. الإخوان بياخدوا كهربتنا يودوها لغزة.. آه والله".
وعندما سألت صديقة لي "فلسطينية" تعيش في غزة عن معدل انقطاع التيار الكهربي عن القطاع، كان ردها:
" قصدك وقتيش بتيجي الكهرباء ؟"
تُرى هل يعلم ذلك السائق -المضحوك عليه- أن مُرسي كتب لشيمون بيريز جواباً غرامياً ووقع في آخره بـ"صديقك الوفي: محمد مرسي" ؟؟
بافتراض أن مصر تمد غزة بالكهرباء، بل وتعطيها ما يكفيها من الطاقة "وهو غير حقيقي"، هل ذلك يؤثر على التيار الكهربي في مصر ؟ بالطبع لا، فمساحة غزة:  360 كم². تعداد سكانها حوالي 1.79 مليون نسمة. دعونا نقارنها بمحافظة المنوفية –مثلاً- وهي ليست من المحافظات شاسعة الكبر نسبة لمحافظات أُخرى. مساحة محافظة المنوفية : 2543.03 كم². بلغ عدد سكانها حسب الإحصاء الرسمي: 3,270,404  نسمة عام 2006. "لو كان المتكلم مجنون فالمستمع عاقل".
بعد البحث والسؤال علمت أن انقطاع الكهرباء في قطاع غزة يكون بـ"جدول" معلوم للكافة، وأن الكهرباء تنقطع "رسمياً" ثمانية ساعات يومياً.
وأردفت صديقتي الفلسطينية : "نفس الجدول، 8 ساعات، من صف أولى اعدادي وهي بتقطع بالساعات الطوال، يعني هيك إلها 11 سنة ع نفس الحال."
لم يغير مُرسي من أوضاع الشعب الفلسطيني قيد أُنملة، ربما قدم مساعدات لحماس بتسهيل وصول الوفود من وإلى غزة -مثلاً-، لكنه لم يقدم مساعدة واحدة للشعب الفلسطيني، وإذا حدثوك عن موقف السُلطة المصرية من إطلاق النار على قطاع غزة في نوفمبر 2012، قُل لهم: المخلوع مُبارك أيضاً في 2009 طالب بوقف إطلاق النار على غزة.
حتماً أنني إذا قابلت ذلك السائق مرة أُخرى، سوف أقول له –مرة أُخرى- أن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة يعاني أضعاف ما نعانيه نحن، وأن الإخوان يتاجرون بآلامهم. سوف أقول له أيضاً أن الفلسطينيين في غزة يحصلون على البنزين بطلوع الروح كما نحصل عليه نحن في مصر بصعوبة أيضاً، بينما الكهرباء لا تنقطع عن بيوت أغلب قياديي حماس لإنهم يستخدموت المولدات الكهربية التي تعمل بالـ"بنزين".. المتوفر لهم بسهولة. "العهدة على رواية أصدقائئ الذين يقطنون بالقطاع".

(3)
ولأن المبادئ قد استبدلت.. ربما يعتقد البعض أنني حصرت حسنة للمخلوع مرسي في مقالي هذا "بقولي أنه لم يساعد الشعب الفلسطيني إطلاقاً، كما ادَّعى". ولكن.. هل المتاجرة بآلام إخواننا حسنة ؟
طيلة السنة الفائتة رُوِّج عن إخواننا الفلسطينيين أنهم يريدون احتلال سيناء، وأنهم يحرموننا –كمصريين- من جزء معتبر من كهربائنا ويستفيدون منه هم (كأن الكهرباء معبأ في أكياس كالعرقسوس، وبياخدوا منه حبة).
ثمة جرائم لفقت لإخواننا بدون أي وجه حق. كل ذلك بسبب علاقة مريبة بين الإخوان  "السلطة المصرية الحاكمة –آنذاك-" وحماس.
أعتقد أننا في مصر، كما نتحدث عن مصالحة وطنية وحساب للمجرمين، يجب أن نلتفت لوجوب وضع علاقة شعبنا مع أشقائنا العرب على المسار الصحيح بعد أن أنحرفت عنه كثيراً منذ سنوات طويلة وعقود.

علي هشام

19 يوليو 2013